غرف الدردشة في الانترنيت عالم مجهول ومصيدة للمغفلين
نشر بواسطة: Adminstrator
الأربعاء 24-10-2012
 
   
أبدأ بالحب وبعض أبيات الشعر المشهورة أو غير المشهورة ثم تحدّث ببعض الغموض عن شخصيتك التي تحب الموسيقى والسباحة والفن، ولا مانع من بعض الجمل حول حق المرأة الطبيعي في الاختيار والحب، وإنها كائن رقيق مستقل ذو إرادة، ويمكن أن تختتم بالحديث عن الأغلال التي تقيد الروح، وتمنعها من الانطلاق، والعصر المادي الذي نعيش فيه جفاف المشاعر، بعد ذلك ستكون الأرضية ممهدة تماماً وينجذب الطرف الآخر لتصديق كل ما تقوله.
  هذا المشهد هو مثال سريع للاندماج بين شخصين مجهولين في عصر الإنترنت حيث يبحث الملايين من البشر عن ضربة حب من خلال نقرات لوحة المفاتيح ومواقع التوفيق بين القلوب، في السنوات الماضية فتحت شبكة الإنترنيت نوافذ عريضة لازدهار علاقات الحب والغرام وعبر مدن وقارات ولمختلف الأجناس كان من المستحيل أن يلتقوا تحت أي ظرف لولا ظهور الشبكة وربما يظن البعض إن استخدام الشبكة كمرسال للغرام يزدهر ويجد سوقاً له في المجتمعات المغلقة والمتخلفة ولكن المفاجأة التي تكشف عنها الدراسات الحديثة أن الملايين من شباب وفتيات الدول المتقدمة يبحثون عن رفيق الروح أمام شاشات الكومبيوتر وعبر دروب الفضاء التخيلي.
مفاجأة
أولى المفاجآت الغريبة تظهر عبر دراسة حديثة أكدت بوضوح أن نسبة كبيرة من طلاب الجامعات يلاقون صعوبات بالغة في التعرف الى النصف الآخر، على الرغم من توافر جميع المناسبات والطرق التي يمكن من خلالها لقاء الفتيات بالشباب، وعوضاً من ذلك أصبح هاجس شريحة كبيرة من الشباب هو تصفح الإنترنت بحثاً عن شريك مناسب وبطريقة إنهاء عقدة الخجل التي قد تحول دون قدرته على مصارحة فتاة أو الحديث معها مباشرة بسبب عدم وجود الجرأة التي تمكنه من ذلك أو بسبب خوفه من الصد وبالتالي عزوفه عن إقامة أي علاقة أخرى مع فتاة ليدخل بذلك دوامة القلق والخوف من مثل هكذا علاقات واضحة وصريحة، لهذا غالبا ما يلجأ الشباب إلى غرف الجات للتعبير - بعيدا عن المواجهة - عن مكنوناتهم ورغباتهم بطريقة تحد من قدرتهم على المواجهة ليبقى بذلك أسير العلاقات الالكترونية والتي تحمل بين طياتها الكثير من المفاجآت التي قد تصيب صاحبها بالإحباط والنكسة العاطفية بسبب الصورة المغايرة التي قد تظهر لحبيبة القلب وبعد سنين او أشهر من الغراميات وكلام الحب المعسول ليتضح في الآخر انه ضحية مقلب من احد أصدقائه.
انتكاسة
قررت أن أخوض جولة في مقاهي الإنترنت المنتشرة في مناطق بغداد واستقراء الوضع على طبيعته وبالفعل توجهت نحو مقاهي الانترنيت وجلست أمام إحدى الحاسبات وأخذت أتلفت يميناً ويساراً وشاء القدر أن يمنحني جزءاً مما أبحث عنه فقد كان هناك شخص يجلس إلى جواري وتبين من خلال نظراتي إلى شاشة الكمبيوتر إنه منشغل بالحوار داخل إحدى غرف الدردشة، وكانت هذه غايتي استأذنته وطلبت منه الحديث معه، أدار كرسيه نحوي مستغرباً لكن استغرابه أذابته إجابتي حينما قلت له بأني صحفي وأروم البحث في قضية للمناقشة على صفحات الجريدة، رحّب بالأمر وقال لي ما الذي أستطيع مساعدتك فيه، قلت له: هل تتحدث مع امرأة أو رجل؟ قال: لا إنها امرأة، قلت له متى تعرفت عليها؟ قال: منذ شهر، قلت وما أدراك إنها امرأة؟ حينها ضحك صاحبي ضحكة طويلة استغربت لهذا الأمر وسألته لمَ هذا الضحك فقال لقد ضربت (بوري) في إحدى المرات، قلت له كيف؟ قال تعرفت على إحداهن من بلد خليجي وقضيت معها أكثر من 6 أشهر من كلام الحب والعشق ووعود الزواج واتضح أخيرا إنه كان رجلاً يود أن يمزح!! لقد تألمت جداً حينما علمت بهذا الأمر صدقني لقد كنت صادقاً وغايتي كانت نبيلة، قلت له: كيف، قال: فكرت بالزواج والسفر لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
الحب الالكتروني
(س.م) أحد الذين يرتادون غرف المحادثة يطلق على نفسه تسمية (أمير الحب) ضحك عندما سألته عن الحب الذي يولد في غرفة الدردشة وهو كما يدعي أميره  وقال: هذا الحب ينتهي بانتهاء الجلسة ـ ولا يستحق أن نطلق عليه هذا المصطلح الجميل ـ فنحن بدافع التسلية وقضاء الوقت نقوم بملاحقة الفتاة من غرفة إلى غرفة (مجرد قضاء وقت)، وقد تكون الكلمات أو عبارات الثناء التي نغدقها على الفتيات يعتبرنها حبا، وللأسف كثير من الفتيات ساذجات. وأعتقد أن كل بنت تدخل هذه الغرفة يكون لديها استعداد أن تتخلى عن حيائها، كما أن الإغراءات التي توفرها هذه الغرف من الصعب مقاومتها، وهي أقصر الطرق لإنشاء علاقات (الكترونية) خالية من الحميمية والحب ومرفوضة لدى البعض.
رأي علم النفس
السؤال الذي يطرح نفسه مباشرة، هل إقامة علاقات وهمية حميمية أو صداقات متقدمة مع أشخاص من الجنس الآخر عبر الإنترنت تعتبر خيانة للحياة الزوجية؟ أم أنها أمر طبيعي في عالم وهمي افتراضي يجب التأقلم معه؟
أوضحت الاختصاصية في علم النفس سناء العبادي أن: دردشة الجات فيها قسمان؛ القسم الأول: إذا كان الشخص الآخر على علم بها، عندئذ تتسم الدردشة بالبراءة. والقسم الثاني: إذا لم يكن الشخص الآخر على دراية بها، ففي هذه الحالة يمكن أن تكون وراءها نيّة بالخيانة، فلا يمكن وصفها بالبراءة.
وشددت العبادي في حديثها على أهمية البعد الذي وصلت إليه الدردشة (فإذا وصلت إلى مراحل متقدمة، تُسمّى في علم النفس ما يعرف بالـ fantasme التي تستعمل الخيال للوصول إلى هدف ما، أو للحصول على لذة معينة. كما يمكن تشبيه هذه الخيانة بأخرى، إذا كان الشخص يمارس العلاقة الجنسية مع شريكه فيما يتخيّل شخصاً آخر). وعن مخاطر الدردشة الإلكترونية، وقالت إنّ "الخطر الحقيقي لها يكمن في أنها تتطوّر ليتمّ اللقاء بين شخصين، إذ تخلق العلاقة عبر الجات نوعاً من الشوق إلى لقاء الآخر أو الشيء الذي لم يلمسه بعد". ونبّهت إلى خطر الإنترنت الثاني الذي يكمن في "المقارنة بين الشريك والشخص الجديد الذي نراسله عبر الإنترنت، بغضّ النظر عما إذا كان الشخص الجديد يخبرنا بالحقيقة أو لا. فالشاشة تتيح لنا البوح بما نريد فقط أن نُخبره وإظهار ما نريد إظهاره".

أريده غنياً ووسيماً
دخلت مقهى آخر للإنترنت وكالعادة أخذت مكاني أمام الحاسبة وأخذت عيناي تتجولان في عيون الآخرين منهم من كان يبدو مهموماً، وآخر كانت السعادة بادية على محياه وكالعادة كانت ضحيتي الثانية هو الشخص الذي يجلس بجانبي تحدثت معه وعرفته بهويتي وطلبت منه أن يحدثني عن الموقع الذي هو فيه فقال: هذه غرفة (جات) أتحدث إلى إحداهن، قلت له هل هي صديقة فقال: لا. تعرفتُ عليها تواً، قلت له من أين؟ قال: من دولة خليجية، وتبحث عن زوج فقلت له وهل ترغب في الزواج بها؟ قال: أرغب ولكنها تريد ضابطا في الجيش، فقلت له: ولماذا ضابط؟ قال تقول إنها تحب أن يكون زوجها عسكريا ويعمل في دوائر حساسة، قلت له: هل صدقت كلامها؟ قال: ولماذا تكذب، قلت له: هذه ليست امرأة إنها تريد أن تجرك إلى استدراج أي معلومة منك يستفيد منها الآخرون، حينها قلت له: وهل كلمتها بأشياء أخرى؟ قال: لا. ولكن دائما حديثها يركز على الأمور العسكرية، قلت له دعك منها وتحدث بأمور تهمك وتستفيد منها ولا تنجر إلى مثل هكذا اتصالات لأنها تضعك في دائرة التعاون معهم ربما كانوا جهة مريبة قال: بالفعل هي كذلك ولكنها تريد من الشخص الذي يتقدم إليها أن يكون غنياً ووسيماً لأنها وكما تقول بنت عائلة غنية ومدللة ولا تريد أن تعيش حياة أقل من تلك التي تعيشها الآن، فهي وكما تقول ملكة.. حينها قلت له وماذا ستفعل؟ قال: سأقفل الإنترنيت وأذهب إلى أقرب مطعم فأنا جائع جداً هل تشاركني، شكراً.
غريب أمور عجيب قضية
زيارة سريعة لبعض مواقع تآلف القلوب تظهر بوضوح وجود الآلاف من الباحثين عن العلاقات والغرام من العرب والأكثر إثارة هو وجود مئات عدة من إعلانات البحث عن علاقة وضعتها فتيات!
ومن الطبيعي والحال هكذا أن تشهد سوق مواقع تآلف القلوب نجاحاً كبيراً وازدهارا اقتصاديا واضحاً، وقدرت دراسة أمريكية حديثة عدد الأمريكيين الذين استخدموا خدمات هذه المواقع في العام الماضي فقط بـ 29 مليون شخص أو ما يعدل اثنين من بين كل خمسة من العزاب وفي عام 2010 أنفق الأمريكيون وحدهم حوالي 500 مليون دولار للحصول على مواعيد غرامية مع الطرف الآخر على الإنترنيت، بينما قدرت دراسة أخرى أن إجمالي ما تم إنفاقه في هذا الموضوع خلال العام الماضي يصل إلى نصف المليار دولار، ويقدر عدد الباحثين عن الحب بمساعدة الإنترنيت في الشهر الواحد بأكثر من أربعين مليون شخص حول العالم، الأكثر من ذلك توقع الخبراء أن تصل هذه السوق إلى ثلاثة أرباع المليون دولار خلال أربع سنوات.
حوار عن السياسة
حقيقة لست من هواة غرف الجات، والمحادثة جربت دخولها ووجدت مستويات ضحلة وغبية ومستويات سوقية لا تجيد التعامل مع هذا التطور الهائل وهذا الإنجاز الذي جعل العالم قرية، ولذلك قررت طلاق هذا الموضوع باستثناء بعض الأصدقاء الذين أحادثهم مباشرة وعبر بريدي الإلكتروني، لم تنته رحلتي بعد وقررت دخول مقهى آخر وكالعادة أخذت موقعي أمام أحد الأجهزة ولحسن حظي وجدت مصادفة أحد الأصدقاء في هذا المقهى وقد أبلغته عن مهمتي وغايتي واقترح عليّ أن أنقل محادثته مع أحدهم بالتفصيل فوافقت على الفور فكانت البداية:

* مرحباً.
- أهلاً من معي؟
* أنا نهاد من بغداد
- سني أو شيعي؟!
* أنا مسلم.
- من أين أنت من بغداد؟
* من شارع فلسطين.
- هل أنت راض عمّا يحدث للناس في بلدك؟
* وما الذي يحدث للناس في بلدي؟
- اضطهاد واعتقالات وكبت لحرية الناس.
* نحن أبناء الحضارة وأبناء السلام كيف نرضى بذلك.
- الفضائيات تتحدث عن مجازر تقوم بها السلطات ضد طوائف معينة.
* الفضائيات هذا عملها، تدفع الرواتب من أجل هذا.
- هل تقصد بأنهم يكذبون؟
* الكذب وسيلة إعلامية رخيصة لقتل الناس باسم الدين والمذهب.
- الذي يسمعك تقول هذا، يقول إن بغداد تعيش بسلام!
* نحن نعيش بسلام والحرب التي تدور وتسمع عنها هي بين من أوجدوها وليست بين الشعب.
- ماذا عن فضائية (......) التي تعرض كل هذه المجازر؟
* وظيفتها التي تأسست من اجلها هي أن توصل رسالة مفادها أن العرب والمسلمين أناس لا يستحقون الحياة وظيفتهم القتل وسفك الدماء، ألا ترى أننا عربيان ونتحدث معا بسؤال وجواب بعيدا عن القاذفات والقنابل؟
- صدقني نحن بحاجة إلى الكثير من أمثالك لإيصال هذه الصورة بعيدا عن كل مشاهد الدم.
* إذا كنت صادقاً فأجعل خوفك على كل العراق، فالعراق يولد من جديد من رحم نظيف وفيه الكثير ممن ينقلون ما يحدث بصدق دون تزييف الحقائق واستدرار دموع وعطف الآخرين بحجة اضطهاد طرف دون آخر.

غرف دردشة لغايات تهمهم
لعل من الضروري أن نوجِّه شبابنا إلى انتقاء المفيد من المواقع التي تسهم في تنمية قدراتهم الذهنية ومداركهم وتحقيق وقت للاستفادة من الثورة التقنية التي أوجدها هذا الاختراع بعيدا عن إهدار الوقت في غرف الدردشة التي تكون في أحيان كثيرة أشبه بالمرض المستعصي، هذه الغرف اغلبها لم تؤسس اعتباطا وإنما تم تأسيسها على وفق قواعد وسلوكيات منحرفة لها غايات عدة، من هذه الغايات الإسهام في توجيه الشباب نحو أمور لا تخدم واقعه ولا تنمّي قدراته وانما تدخله في متاهات النزاع الطائفي والخطأ والتراشق المذهبي، وهي غاية تسعى إليها مؤسسات تصرف الملايين في سبيل إبقاء هذا الإلهاء مستمرا، كما أنها ومن خلال الدردشة تستطيع أن تصل إلى معلومات حساسة وخطرة تهدد امن واستقرار البلد. فهناك متخصصون في علم المحادثة، يستشفون معلومات كبيرة قد يجدها المتحدث لا تشكل شيئا في قاموس الخطر الكلامي.

المدى/ فرات إبراهيم

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced