فيما يطلّ بعد ايام الثامن من آذار عيد المرأة العالمي الذي يحتفل به في كل انحاء العالم . . يواصل المراقبون تتبع تواصل الحراكات و الفورات الاجتماعية في المنطقة التي حطّمت افكار خلود دكتاتوريين على كراسيهم و توريثها الى ابنائهم ورثتها، و تحققت حراكات في تصعيد روح المواجهة و نجاحات في مجالات و فشل في اخرى . . بسبب شراسة القمع المستقوي بقوى دولية و بالتخلف و ممثليه و مستقوي بمن كانوا يوماً مع التطلعات الشعبية، و تبيّن انهم كانوا مع تلك التطلعات من اجل تغيير ينسجم مع مصالحهم الانانية فقط، القمع الذي لم ولا يؤدي الاّ الى حالات متنوعة من الفوضى التي خدمت و تخدم القوى الظلامية . .
و قد برز دور المرأة في تلك الحراكات و الانفجارات الجماهيرية الشجاعة ـ التي اشتهرت و اصطلح عليها حماسياً بالربيع العربي لما بدّلت و غيّرت ـ . . برز دور المرأة بسبب تزايد مسؤولياتها و اعبائها و تزايد الدور الحضاري و الاجتماعي للمرأة سواء في العائلة او في المجتمع، بعد ان اخذت تتبوّأ مواقع اساسية و قيادية في عمليات الانتاج و الخدمات و النشاطات الاجتماعية، في مجتمعات و دول المنطقة، بعد ان برزت في العلوم والآداب و الثقافة، و وصلت الى فضاءات اكثر تطوراً مما مضى، و صارت جزءاً نشيطاً من نشاطات المجتمع سواء الاجتماعية او السياسية . . حيث قدّمت المرأة و تقدّم بجهودها هي جنباً الى جنب مع الرجل، ما يخدم مجتمعاتها الوطنية على طريق التقدم و التحرر الاجتماعي . .
و اثبتت بجهودها و مبادراتها و صمودها . . ان احقاق حقوق المرأة ليس صدقة او رحمة من جهة ما، و انما هي قضية اساسية ـ و ليست مكمّلة او ديكور ـ . . قضية اساسية لتحرر و تمدّن المجتمع بأسره، و انها نتاج قرون طويلة من صراعات انسانية من اجل تحقيق عدالة اجتماعية و من اجل عائلة و طفولة سعيدة و ضمان رقي المجتمعات و خيرها و سلمها و رفاهها . . ان ضمنت دور و اسس تحرر المرأة و موقعها فيها.
و فيما تراوح المؤسسات الدستورية في بلادنا في نشاطها، و في وقت لا يزال فيه البرلمان العراقي عاجزا حتى عن إقرار الموازنة العامة للدولة التي تتوقف عليها رواتب واستحقاقات ملايين العراقيين، بعد ان بقي مشلولاً عن إقرار نحو 12 مشروع قانون ينتظر بعضها منذ سنوات إقراره، التي من أبرزها المتعلقة بـ : النفط والغاز ومجلس الاتحاد والأحزاب والمحكمة الدستورية . .
فقد صادق مجلس الوزراء على (قانون الأحوال الشخصية الجعفرية) المثير للجدل حتى داخل المرجعيات الدينية الشيعية وأحاله إلى البرلمان الذي لم يتبق من دورته سوى شهرين، للمصادقة عليه. الامر الذي لايعني الاّ اضافة مشروع قانون خلافي جديد آخر إلى مجموعة القوانين التي سوف تُرحّل للمرة الثانية إلى الدورة البرلمانية المقبلة بعد أن عجزت دورتان برلمانيتان (2006 - 2010) و(2010 - 2014) عن إقرارها والمصادقة عليها، الأمر الذي لايعني الاّ تجميد الموقف من تلك القضايا الخطيرة و ترك حالة فوضاها على حالها .
و قد عبّرت اوساط عليمة و متخصصة واسعة نساءً و رجالاً، عن أسفها لما تراه تراجعاً في بناء منظومة الدولة المدنية القائمة على اساس المواطنة، و اكّدت على ان من وافقوا على إحالة مشروع القانون إلى البرلمان يعرفون جيدا أن المادة 41 من الدستور العراقي المعنية بالأحوال الشخصية مجمدة حاليا بانتظار التعديل وبالتالي فإن الإحالة بحد ذاتها مخالفة دستورية، رغم أن العراق يتمتع بأفضل قانون للأحوال الشخصية في المنطقة وهو ( القانون رقم 88 لسنة 1959).
و تشير اوساط اخرى الى أن ما يثير العجب أن ما نسبته 80 في المائة من مواد ذلك القانون مستمدة من المذهب الجعفري، وبالتالي لا توجد حاجة إلى تشريع قانون جديد من شأنه أن يعيد المجتمع إلى ما قبل دولة المواطنة . . و يرى موظفون حكوميون و ناشطون و ناشطات و وجوه اجتماعية بارزة، أن السبب الحقيقي بتقديرهم لإحالة مشروع "القانون الجعفري" الآن إلى البرلمان، رغم الادراك أن فرص إقراره مستحيلة الآن، إنما هي لأغراض الدعاية الانتخابية والكسب الحزبي وذلك بإيهام فقراء الشيعة بأن مسئولي الحكومة القائمة الآن حققوا شيئا مهما لهم.
و يشير متخصصون الى أن تفاصيل مشروع القانون مخيفة، لأنه يسحق المرأة تماما حيث يجيز تطليقها وهي دون سن الزواج كما يحوّل العلاقة الأسرية إلى مجرد علاقة جنسية، و أنه يسحق مبدأ المواطنة ويحوّل البلاد إلى دولة مكونات وكانتونات عرقية و دينية و طائفية .
في وقت يشير فيه سياسيون و اجتماعيون الى ان بروز النساء في مجتمعات الدول الاسلامية، عبر انواع الصراعات و اخطرها و رغم انواع التقاليد التي قيّدت حريّتها، و تحقيقها كتفاً لكتف مع الرجل نجاحات لها و لشعوبها و لحركاتها التحررية التقدمية . . يعني بروز طاقة تحررية كبيرة تدفع نحو الحداثة و التطور و التمدّن و الى التفاعل مع تطورات عالم اليوم في جعل بلداننا اكثر تحرراً و من اجل التقدم الاجتماعي لشعوب منطقتنا . . و يضيف آخرون ان تعاظم نضال المرأة من اجل حقوقها و حصولها على مواقع فاعلة في المجتمع، مكسباً و تعزيزاً كبيراً للطاقات الثورية الخلاقة في المجتمع و دفعاً لعجلة تجديد حقيقي لعمومه . .
الأمر الذي صار يرعب احزاب الاسلام السياسي التي وصلت الى مراكز القرار في المنطقة بدفع من الاحتكارات الدولية لتقييد الحراكات و الانتفاضات الشعبية الشبابية و النسائية من اجل الخبز و الحرية، بشرط مائع و هو ان تطرح (إسلام ليبرالي جديد) يتناسب مع فكرة الدولة المدنية (؟) . . رغم تواصل سلوك و طغيان شعارات " الدولة الاسلامية الشمولية " و " حكم ولاية الفقيه " الملتقي حكّامهما في الموقف من حقوق المرأة باشكال متنوعة . . الامر الذي يرى كثيرون فيه، بأنه ان استطاع تحقيق شئ من الحد للطغيان السابق، فإنه بسلوكه العملي صار يدخل المنطقة في متاهات حكم و طغيان و (طغيان ذكوري) جديد باسم " المقدس " .
وفيما قامت حكومات الاسلام السياسي بقضم و تغييب قوانين حماية حقوق المرأة، فانها انحازت انحيازاً اعمى الى (ذكورية المجتمع) و اعادت مجتمعاتنا الى العهود الحجرية و ازمنة الصيد . . فاضافة الى التدهور الاخلاقي الذي حصل و يحصل على يد ميليشيات الاسلام السياسي المسلحة السنيّة و الشيعية و عصاباتها، التي مارست و تمارس الاغتصاب الجنسي للمعارضين و خاصة النساء ـ وفق تقارير منظمات العفو الدولية ـ . .
فان عودة صيغ الرقيق الابيض. . و صيغ و عقود (زواج المتعة) و (المسيار) و (الخلع) و التبشير بها ـ و تقنين العلاقات الاجتماعية العامة بين الجنسين ـ ، اضافة الى الفتوى المقرفة "جهاد النكاح" علناً و بكثافة متواصلة و باموال فلكية، و بصيغ مثيرة لغرائز شباب الجنسين على وجه الخصوص . . لاتعني الاّ التبشير و الدعوة الى الضياع في الجنس باسم (الجنس الحلال)، من ارضاع الكبير الى زواجات القاصرات . . و غيرها، و كأن قضية المرأة و حقوقها الانسانية و القانونية كمواطن و بشر تتلخص بتلك القضايا الخطيرة ؟!!
ان مايجري هو سبب الازمات الاخلاقية المتصاعدة . . و ليس نضالات المرأة من اجل حقوقها و من اجل الخبز و الحرية، التي تواجهها حكومات الاسلام السياسي بعصابات التحرش الجنسي و الاغتصاب في الشارع نهاراً جهاراً (بإسم الاسلام) زوراً و نفاقاً . . و التي تنهى عنها الشرائع السياسية و القانونية و الدستورية، بل و الدينية و المذهبية الحقيقية ذاتها . .
ان تطور نضالات المرأة و تصاعدها بتضامن كل قوى الخير و التقدم معها، هو الذي يشد ازرها و يجعلها تواجه و تتحدى كل الاساليب الرخيصة لمحاولة كبحها و تحطيمها . . كما تتواصل نضالاتها و تتصاعد و تصبح المثال الهادي في ساحات دول المنطقة من مصر و العراق، و تونس التي انتصرت فيها المرأة مؤخراً في تثبيت حقوقها بجهودها و جهود كل الطيبين بقانون دستوري ملزم . . و يبقى الموقف و الانتصار لحقوق المرأة، موقفاً سياسياً قانونياً، وانسانياً حضارياً !!
المجد للمرأة في عيدها في الثامن من آذار !