ينتظر العراقيون كل اربعة سنوات الانتخابات التشريعية بترقب واهتمام وتوق للمشاركة من اجل التغيير وامكانية اختيار الممثلين الاكفاء الذي سيمثلون الشعب العراقي ويسيرون بالعراق الى بر الامان في السنوات الاربعة القادمة.
واظهرت الارقام الاولية المتوفرة للمشاركين في الانتخابات الخاصة وانتخابات عراقيي الخارج ان المشاركة في الانتخابات الخاصة بلغت 91% والمشاركة في انتخابات الخارج بلغت اقل من 20%.
وبلغت اعداد المشاركين في انتخابات الخارج في 2010 حوالي 250 الف منتخب اما في 2014 فانخفضت الاعداد الى حوالي 165 الف منتخب.
وفي ولاية مشيكان الامريكية شارك اكثر من 14 الف ناخب في انتخابات 2010 اما في انتخابات 2014 فقد انخفضت الاعداد الى حوالي 5500.
ومن هذه الارقام الاولية نرى انه هناك عزوف واضح لعراقيي الخارج في المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية، فما هي اسبابها؟
نحن نرى ان المفوضية المستقلة العليا للانتخابات وممثليها في الخارج يتحملون الجزء الاكبر من هذه المسؤولية للأسباب التالية:
الاسباب التالية ربما تنطبق على معظم دول العالم ولكننا نأخذ الولايات المتحدة الامريكية كمثال.
1. في انتخابات 2010 كان هناك اشكالات كبيرة في التعامل مع مسؤولي المفوضية في دول الخارج لعدم كفاءتهم وقلة خبرتهم ورفضهم التعامل والتعاون مع الجاليات وممثليها، بالإضافة الى تدخل الاحزاب والكتل في التعينات واختيار الموظفين المحليين، واصرارهم على الوثائق العراقية التي لا يملكها عراقيو الخارج. والكل يتذكر ما حدث من فوضى في المراكز الانتخابية في حينها عندما منع الالاف من الانتخاب والتصويت وكيف حاولت المفوضية تهدئة الامور بإصدار تعليمات كاذبة حول الوثائق ادت الى اسقاط الالاف من الاصوات عند العد والفرز.
2. وفي انتخابات 2014 لعراقيي الخارج والتي جرت في 27 و 28 من نيسان عادت المفوضية لأساليبها القديمة في اللف والدوران وعدم الشفافية في تعاملها مع المنتخبين عندما عينت ممثلين عنها تنقصهم الخبرة والكفاءة في الخارج لإدارة العملية الانتخابية، مما ادى الى خلل وفوضى في تعيينات موظفي الاقتراع المحليين، بالإضافة الى تدخل الاحزاب والكتل في هذه التعيينات لتعيين ممثليهم. وعدم وضوح في التعامل مع منظمات المجتمع المدني وممثلي الكيانات والقوائم ومراقبيهم.
3. لم يكن هناك اي تحرك اعلامي واضح ومخطط من قبل المفوضية بالرغم من وجود العشرات من اجهزة الاعلام المرئية والصوتية لحث الجالية على الانتخابات وشرح القوانين الانتخابية، واقتصرت الحملة الاعلامية على منظمات الجالية وبعض الكتل المشاركة في الانتخابات والتي لم تكن كافية لإيصال المعلومات للمنتخب.
4. الفوضى التي جرت في اختيار الايام والاوقات، وابتعاد المراكز الانتخابية عن مناطق تجمع الجاليات زادت في عزوف الجالية عن الانتخابات. ففي 2010 جرت الانتخابات في ثلاث ايام (جمعة وسبت واحد)، اما انتخابات 2014 فقلصت الى يومين (الاحد والأثنين) بالرغم من ان يوم الأثنين هو يوم عمل. وجرى تغيير ساعات الاقتراع وتغيير بعض مراكز الانتخاب ومسؤوليها في الايام والساعات الاخيرة.
5. والخلل الاكبر والاساسي في ابعاد الناخبين العراقيين هو قوانين المفوضية الصارمة والتي تخص الوثائق العراقية التي يجب ان تكون بحوزة الناخب العراقي, مثل الاصرار على الوثائق الاصلية وليست النسخ وحتى المصدقة منها والذي ابعد الالاف من المنتخبين وادى الى اشكالات كبيرة في المراكز الانتخابية واستياء كبير من المنتخبين والذي جرى منعهم من اعطاء اصواتهم لعدم حيازتهم على احدى الوثائق الاساسية المطلوبة (شهادة الجنسية والاحوال المدنية ودفتر النفوس 57 وجواز سفر نافذ المفعول)، بالرغم من حيازة المنتخب على العشرات من الوثائق الاخرى التي تثبت عراقيته. فلا ندري ما الحكمة من ان تطلب المفوضية جواز سفر عراقي نافذ المفعول كوثيقة اساسية وترفض جوازات السفر القديمة، ونحن نتساءل ايهما اسهل للتزوير جواز السفر الجديد ام القديم؟
6. وللإضافة الى هذا الكم من الارباك اتخذت المفوضية قرارا بفصل مسؤول المركز الانتخابي رقم واحد في مدينة ديربورن بعد ساعات من افتتاح المركز مما ادى الى خروج مجموعة من الموظفين تضامنا معه، وادى هذا الى استياء وتظاهرات امام المركز.
7. وللزيادة في الارباك وفي محاولة بائسة لامتصاص النقمة، اصدرت المفوضية في اليوم الثاني (الأثنين) قرارا من مدير عام الادارة الذاتية في المفوضية وزع في المراكز الانتخابية ذي الاغلبية المسيحية ونشر في موقع عنكاوا دوت كوم جاء فيه:
"بخصوص الفقرة المتعلقة بالوثائق، فبالإمكان استثناء المكون المسيحي من شرط إثبات السكن للمحافظة كون أن انتخاباتهم على أساس دائرة واحدة وبالتالي لإثبات أن الناخب هو من المكون المسيحي عليه تقديم هوية تثبيت انتمائه للمكون المسيحي."
فأي مهزلة وتفرقة وطائفية هذه، وماذا عن المسيحي الذي يرغب في انتخاب القوائم العامة في المحافظات؟ وماذا عن الصابئي واليزيدي والشبكي؟ وهذا القرار اصلا لا يعني شيء فهو يضيف وثيقة اخرى على المسيحي ان يبرزها بالإضافة الى واحدة من الوثائق الخمسة المطلوبة.
8. ان الصراعات الطائفية والفساد والارهاب وانانية الاحزاب المتنفذة والانقسامات وتدخلات دول الجوار والوضع المتأزم في العراق سبب الكثير من اليأس والاحباط للعراقيين في الخارج وابعدهم عن المشاركة في الانتخابات العراقية، واليوم تضيف المفوضية سببا اخر لإبعاد العراقيين من المشاركة في الانتخابات وهو التشكيك في عراقيتهم وتاريخهم وعطاءهم للعراق.
9. حضر الالاف للمشاركة في الانتخابات ومنعوا من الانتخاب، والاعداد التي لم تحضر لمعرفتهم مسبقا أنهم سيمنعون من المشاركة ربما كانت اكبر.
لقد ان الاوان للمفوضية والحكومة العراقية ان تأتي بحلول لهذه الحالة التي حرمت الالاف من العراقيين من حقهم الدستوري والوطني وعلى مدى دورتين انتخابيتين، ونحن نقترح ان يكون لنا نحن عراقيو الخارج بطاقة الكترونية او بطاقة انتخابية اسوةَ بأبناء شعبنا تحتوي على معلوماتنا المدنية. وايضا نطالب ان يجري تسهيل حصولنا على الوثائق العراقية من خلال القنصليات والسفارات العراقية وبوقت معقول، لان الحصول على اي وثيقة اساسية اليوم يستغرق سنة او اكثر اذ لم يكون هناك اخطاء واعادة. ربما من الممكن فتح مكاتب لوزارة الداخلية داخل السفارات العراقية لها صلاحية اصدار الوثائق العراقية.
إن عراقيي الخارج قد سأموا من هذه الحالة، واذ لم يجري تصحيحها فلن تكون هناك مشاركة تذكر في الانتخابات القادمة، الا اذا كان المقصود بالفعل هو عدم مشاركة عراقيو الخارج في الانتخابات التشريعية القادمة لأنهم من لون واحد يختلف عما تريده الاحزاب المتنفذة العراقية كما قال احد المسؤولين العراقيين عن زيارته لولاية مشيكان قبل اشهر.
وفي النهاية فقد حرم عراقيو الخارج من المشاركة في العرس الانتخابي العراقي وجرى عقابهم بسبب ذنب واحد لا غير هو حبهم للعراق.
29 نيسان 2014
nabil_roumayah@yahoo.com