في ست سنوات يتطور الكائن البشري من رضيع إلى تلميذ في المدرسة الابتدائية، «يفكّ الخط»، كما تقول أمهاتنا.. وفي مرحلة أخرى، وفي ست سنوات أيضا، ينهي هذا الكائن البشري دراسته الجامعية، ويصبح طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو صحافيا. وفي ست سنوات كذلك، يكون لهذا الكائن البشري الوقت الكافي لأن يحب كائنا آخر مثله، ويقترن به زوجا أو زوجة، وينجبان سويا ما يمكن أن يصل إلى خمسة أو ستة كائنات مثلهما، إن أرادا، ويغدو أكبرهم على مشارف الدراسة.
لكن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، بخلاف الكائنات البشرية وسائر الكائنات الحية، أظهرت طوال السنوات الست المنصرمة أن العمر ليس له أحكام لديها، فهي لا تكبر (عقليا بالأخص)، وليست قادرة على تعلّم أي شيء له علاقة بفن الحكم والسياسة، أو اكتساب أي مهارة أو خبرة تجعل من أفرادها رجال دولة يحوزون الحد الأدنى، على الأقل، من التقدير والاحترام.
العراق، البلد الثري على نحو أسطوري، لم يزل بعد ست سنوات من الخلاص من دكتاتورية صدام الشنيعة، على حاله، من الخراب والدمار والتخلف. بل إنه الآن في حال أسوأ بسبب انعدام الأمن. وهذا كله يرجع إلى طفولة طبقته السياسية النافذة، التي لم تكبر يوما واحدا منذ أن قدّم إليها الأميركيون والبريطانيون عرش صدام على طبق من ذهب.
في العراق المدمّر المخرّب المتخلف ينصرف معظم الوزراء إلى السرقة، ولا يجدون ردعا من رئيسهم الذي يدفع عنهم طائلة المساءلة والحساب.. في هذا العراق يهتم النواب (المنتخبون!) بكل شيء إلا حاجات ومصالح الناس الذين «انتخبوهم».. يهتمون برواتبهم وامتيازاتهم وعقاراتهم وشركاتهم وطوائفهم وأحزابهم ومليشياتهم وعشائرهم، ولا يجدون بالتالي أي وقت للاهتمام بشؤون الناخبين، ولا حتى بالاتصال بهم.
في العراق العائم على محيط من النفط، يتضور الناس جوعا ويكابدون مرّ المكابدة من شحّ الخدمات الأساسية: الماء، الكهرباء، الصحة، التعليم، الصرف الصحي، النقل ..إلخ، فيما وزراؤهم ونوابهم ينفقون أوقاتهم في التنابز بالألقاب، وفي المماحكات السياسية والطائفية، وفي سباب بعضهم بعضا على نحو يتعفف عنه حتى الأطفال الذين حصلوا من عائلاتهم على مستوى متوسط من حسن التربية.
في العراق طبقة سياسية لا تصلح للحكم أبدا.. السنوات الست المنصرمة كانت كافية تماما لاختبارها بدل المرة الواحدة مرات عديدة.. العراق يحتاج إلى طبقة سياسية غير هذه الثمرة المرّة لنظام المحاصصة الطائفية.
العراق في محنة كبيرة مديدة، وهو في حاجة إلى طبقة سياسية، مبدعة في كل شيء، تنقذه من هذه المحنة المقيمة..
الطبقة السياسية الحاكمة الآن أثبتت، وبعد اختبار دام أمده ست سنوات، أنها غير قادرة على الإنقاذ. ليس في مستطاعها حلّ أي أزمة.. بل إنها تبدو بارعة في تحويل الأزمات الصغرى إلى أزمات كبرى. وأزمة قانون الانتخابات آخر الآدلة الساطعة على هذا.
عن اوان
كتب بتأريخ : الأحد 06-12-2009
عدد القراء : 2508
عدد التعليقات : 0