انهالت برقيات التهاني والتأييد على رئيس الوزراء العراقي المكلف الدكتور حيدر العبادي, كالمطر, من رؤساء وملوك دول ومؤسسات عالمية وأقليمية ومن شخصيات داخلية وخارجية, في تعبير غير متوقع عن مستوى الرفض لرئيس الوزراء المالكي وسياسساته. وبرغم حالة التفاؤل العامة بما سيجلبه التغيير بسبب هذا التكليف, فأن الامر يبقى موضع تساؤل مشروع عن حقيقة وطبيعة ومدى التغيير الذي يمكن ان يدخله رئيس الوزراء الجديد على مسار العملية السياسية المتأزمة, فما عدا ان تكليفه بدلاً عن المالكي قد عطل امكانية تثبيت تقليد جديد في السياسة العراقية يتمثل بأعادة تنصيب رئيس وزراء لدورات متعددة ويحبط امكانية نشوء وضع دكتاتوري يمكن ان يستغله اي مهووس بالسلطة للأنفراد بها وفرض نفسه وممارساته, وهو شيْ جدير بالأشادة, فأن كون الدكتور حيدرالعبادى ينتمي الى التكنوقراط بمعارفه وشهاداته العلمية, وانحداره من عائلة بغدادية وعمله لسنوات عديدة في مؤسسات بريطانية, يعطيه افضلية على سابقه نوري المالكي. لكن ما لاينبغي ان يغيب عن البال ان رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي , ينتمي الى حزب الدعوة كحزب اسلامي شيعي طائفي مثله كمثل سابقه وترقى في صفوفه. ولم نسمع عنه يوماً, اعتراضاً على نهج الحكومة السابقة الفاشل ولم نلحظ تأثيراً له على سياساتها بأتجاه تقويمها, رغم خبراته المهنية والعملية واطلاعه على اساليب الادارة الحديثة. كما انه قد تحصّل على موقعه الجديد هذا بنفس آليات المحاصصة المقيته. والتي كان بالتأكيد احد مهندسيها ومدافع امين عن نهجها.
ان كل ما حصل من ازمة حكم وما تزامن معها من ازمات اقتصادية واجتماعية وسيطرة عصابات داعش الارهابية على ثلث مساحة العراق وتهجير آلالاف العوائل من سكان العراق الأصليين بعد ارتكابها لفضائع رهيبة بحقهم, وقفت حكومتي المركزواقليم كردستان عاجزتين عن منعها, وتصاعد دعوات انفصالية من حلفاء التحاصص, هو نتاج نهج المحاصصة الطائفية - العرقية الفاشل وثمرة مؤامرات اطرافها ضد بعضها البعض وعلى جموع ابناء شعبنا.
لم تأت المطالبة الأمريكية لرئيس الوزراء الجديد بتشكيل حكومة شاملة بجديد, خصوصاً وانها ستقوم على نفس الأساس السابق الذي سنه الامريكان ذاتهم ايام تشكيل مجلس الحكم السابق بعد احتلال العراق سنة 2003.
ومع ذلك, لانود استباق الأحداث ونجزم بفشل حكومة الدكتور العبادي, فلعل الرجل بحكم خبرته العملية والسياسية سيجد منفذاً , غاب عن بالنا, يخلصه من أسار قيود المحاصصة وينقل العراق الى حقبة جديدة يرفل شعبه فيها بالأمان والتقدم في ظل نظام مدني ديمقراطي حقاً.