مرّ اكثر من شهر، على دخولي الى عالم جديد، يختلف تماما عن ذلك الذي كنت أعيشه في مدينتي المشبعة برائحة قصب البردي، ورطوبة نسمات المساء، حيث تتناغى طيور الهور كي توقظ في الروح ضجيج الفرح المكبوت.
في مدينتي تلك المرعوبة من شبح سفور الفتاة، كانت العباءة السوداء تغطي كاحلي، والمنديل الذي يلف شعر رأسي، تضغط مخالبه الوهمية على حنجرتي، فاشعر بضيق في التنفس، لهذا تراني استنجد بكل الصبر الذي تربى معي، كي اعتاد الاختناق بكل شجاعة.
حين ظهرت نتائج القبول في الجامعات، وكان قبولي في كلية الطب جامعة بغداد، تملكني خوف طفولي وفرح شبابي، خوف من مدينة لم ارَها، الا مرتين في حياتي، وفرح لأحلام كانت تراود مخيلتي، فأتيه بتساقط رذاذها على روحي.
قدمت الى بغداد مع أمي، كي اسكن في بيت خالتي، الى حين حصولي على فرصة العيش في الاقسام الداخلية للطالبات، وحسب وصية والدي، ان لا أخلع العباءة عن رأسي، اضطررت الى ان احمل معي كيسا بلاستيكيا، كي اضع فيه عباءتي، حين دخولي الى الكلية، ورغم الاحراج الذي يشل الفرحة في عيني ّ، كنت احاول تجاوزه، في عدم الاختلاط مع الآخرين، سوى الطالبة سلوى والتي لديها نفس معاناتي، لاسيما هي ايضا قادمة من مدينة جنوبية.
كتب بتأريخ : الأحد 06-12-2009
عدد القراء : 2489
عدد التعليقات : 0