سبايكر.. بعيداً عن المتاجرة بالدماء
بقلم : رشيد الخيون
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تشابكت الأنباء والتبست في أمر مذبحة سبايكر، بين مغرب ومشرق، واُختلف في عدد القتلى: 2200 و1700 و770 و770 و600 قتيل، بينما عدهم رئيس الوزراء المنتهية ولايته بأقل من مئتين، وربما وردت خطأً على لسانه! وأذيع بأنهم من طلبة سلاح الجو، لكن يقطع قائد القاعدة الشَّك باليقين: ليس بين الضحايا طالب من طلاب القوة الجوية. فحتى هذه اللحظة لم يحدد عدد الضحايا رسمياً، مما يثير لديك العجب من الفوضى، لكن الثابت أنها جريمة كبرى ويومها يوم مشهود، من بين الجرائم التي تنفذ داخل العراق بسبب طائفي، فما حدث لضحايا سبايكر أنهم امتحنوا بالأذان ووضعية الأيدي في الصلاة، فكم تكون القسوة بالغة أن يُقتل الإنسان على ما ورثه من والديه في المذهب.

بعد مدة ارتكبت جريمة التصفية، على أساس ثأري طائفي أيضاً، في مسجد مصعب بن عُمير (ابن هاشم بن عبد مناف قُتل يوم أُحد 3هـ) بقرية «إمام ويس» التابعة لمنطقة حمرين- ديالى، وفسرت ثأراً لجريمة سبايكر. فأولئك كانوا جنوداً أو متطوعين ضد تنظيم «داعش»، وهؤلاء على ما فهمنا من مختلف الروايات والأخبار، كانوا مصلين ليسوا من قتلة ضحايا سبايكر، وبهذا ستذوب الجريمتان في حرارة الطائفية، وإذا ظل الحال على ما هو عليه فالقادمات أكثر فظاعة، وكم من جرائم كبرى رُحلت إلى لجان بحث وتقصي ونسيت من الأساس.

بداية من غرقى جسر الأئمة (1 أغسطس 2005)، وكانت محصلة القتلى تزيد على (1300) ضحية، وبكل برود توجه المسؤولون حينها إلى الشعب العراقي بعبارة: «نُعزي المهدي المنتظر»، وهي عبارة من حق المعتقدين بها أن يقولها لكن إذا كانوا مسؤولين عن أمن العباد والبلاد فهي عبارة تذويب للكارثة وتخلص من تبعاتها، ولم نشهد أحدهم ظهر وقال: أتحمل المسؤولية وأستقيل، وهذه سبايكر (12 يونيو 2014) ومصعب بن عُمير (22 أغسطس 2014) وتلك مجزرة زيونة (12 يوليو 2014)، والكثير الكثير، فالدم العراقي واحد.

لستُ بموقع الاتهام أو التخوين، لكن جلسة البرلمان العراقي لبحث مذبحة سبايكر، جاءت مخيبة، ونحن ننتظر برلماناً جديداً، فما حصل كان متاجرةً بدماء الضحايا، لم تُقدم هذه القضية كقضية وطنية وجريمة كبرى يندى لها الجبين. ومع ذلك لا تقللوا من التداعيات، كم كانت قيادة الجيش صماء تجاه التحذيرات من دفع الجيش لفك الاعتصامات بالمنطقة الغربية، فقيل حينها: ستُكشف تلك المناطق للإرهاب، وسينظر إلى الجيش بمنظار معاد، لكن الغرور أخذ مداه، وخلط الحابل بالنابل، فالذين كانوا مع الجيش، من تلك المناطق، فُت ما بأيدهم، ومن حذّر كان يدرك ما سيحصل بعين الحريص على هذه البلاد، إلا أنه خُون بوطنيته وسُخر مِن حرصه، وهذه النتيجة: مذبحة بعد أخرى، وذئاب الإرهاب تجول وتصول والرعاة لا يُحاسبون.

لا نستغرب أن اسم سبايكر نفسه كان ثأرياً، فالأميركيون، مع تقدمهم، ليسوا خالين من عاطفة الثأر، عندما أطلقوا اسم الطيار «ما يكل أسكوت سبايكر» على تلك القاعدة، وكانت طائرته قد سقطت في اليوم الأول مِن الحرب (17 يناير 1991) على العراق، الحرب التي تعدت غرضها المعلن وهو «تحرير الكويت».

كانت التسمية لئيمة، كي تبقى شاهداً على تدمير البنى التحية للعراق، وأن تُسمى القاعدة التي بتكريت على وجه الخصوص، وأن لا يسقط النظام إلا بعد حصار مدمر استحال به العقل العراقي إلى تراب. حتى اللحظة لم يُعرف عدد الضحايا الذين راحوا بالخروقات التي مارسها الجيش الأميركي، وما فعله الحصار، وكم ضحية مدنية قضت تحت الدبابات بعد أبريل 2003.

تساءل البعض، بعد مشاهدة خروج الضحايا من «سبايكر» في رتل طويل: كيف تمكن القتلة، وهم قلة على عدد الأصابع، من هذا العدد الكبير، يأسرونهم ويقتلونهم بعد شد الوثاق واحداً بعد الآخر بلا مقاومة، لم ينتفض أحدهم ويحاول مبادرة أحد القتلة بخطف سلاحه من يده وعندها سينتفض الباقون؟ أقول لمن يفكر بهذا التفكير: عندما يسري الرعب في النفوس يُحسب الكاغد الذي يحركه الريح ذئباً أجردَ، حتى حامل السلاح يوهن عن استخدام سلاحه، والضحايا تركهم قادتهم عزلا، فبعد سقوط الموصل توالت الانكسارات، مع إعلام يهول قدرة الإرهابيين وفنون وحشيتهم في القتل.

روى ابن الأثير الجزري (ت 630هـ) عما حصل للناس من قِبل التتار (628هـ)، عندما اجتاحوا الموصل وأربل (أربيل) والجزيرة، وكان المؤرخ المذكور يعيش قريباً من الموصل: «إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية، أو الدرب، وبه جمع كثير من الناس، فلا يزال يقتلهم واحداً واحداً، لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس» (الكامل في التاريخ). وسمع ابن الأثير من شاهد عيان، قال: «كُنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التَّتر، وقال لنا حتى يُكتف بعضنا بعضاً، فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم، فقلتُ لهم: هذا واحد فلِم لا نقتله ونهرب؟ فقالوا: نخاف. فقلتُ: هذا يريد قتلكم الساعة، فنحن نقتله، فلعل الله يخلصنا؟ فو الله ما جسر أحد أن يفعل». وروى ما هو أفظع: «لقد بلغني أن إنساناً منهم (التَّتر) أخذ رجلا، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفاً وقتله به» (المصدر نفسه).

لم نأت بهذا الشاهد لنُعيب على الضحايا، من المقتولين والمفقودين، وإنما لنؤكد أن الموقف الذي وضع به هؤلاء الشباب من قبل قادتهم بعد أن تبلغوا بسقوط الموصل وبفظائع «داعش» والإرهابيين، كسر نفوسهم وخضعوا لقاتليهم في هذا المشهد المريع. وهنا أرجوا من الذين استغربوا أن يأخذوا المشهد الذي جابهه المقتولون عن قُرب لا عن بُعد.

ختاماً، في أمر ضحايا قاعدة سبايكر أُذكر بنائب مدير المدرسة الكورية، الذي انتحر لغرق 28 طالباً من طلابه (أبريل 2014)، ولم يكن الذنب ذنبه إنما العبّارة التي تقلهم غرقت، ولم يكن يقودها! لكنه شرف تحمل المسؤولية! لا نريدهم أن ينتحروا، لأنهم ليسوا من هذا الصِّنف، إنما يكفوا عن المتاجرة بالدماء. لا تسألوا الذئاب فهم ذئاب بل اسألوا الرعاة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-09-2014     عدد القراء :  2949       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced