بعد دماء و تضحيات متنوعة لمئات الآلاف من بنات و ابناء المناطق التي نُكبت بالارهاب، و بصراعات متنوعة بين احتكارات الأسلحة و حكومات دول كبرى و احزاب و مفكرين عالميين و محليين . . بدأ تفكير و خطط مواجهة الإرهاب تتحوّل من اعتبارها مواجهة عسكرية صرفة، تحسب قوة العدو بعدد مقاتليه و خسائره في معركة و كأنها هي المقياس الوحيد للربح او الخسارة . . بدأت تتحوّل الى ان المواجهة الأساسية للإرهاب ـ اضافة الى الانتصار في معارك ـ هي مواجهة الفكر الإرهابي القسري الساعي لتحقيق اعلى الغايات، مهما كانت الوسائل .
و فيما بدأ التفكير يتغيّر الى ان الأديان هي السبب . . يبرز مفكرون راديكاليون يساريون و علمانيون من شتى المدارس الفكرية التقدمية و مثقفون، يرون ان العلّة الرئيسية هي في الأحزاب الدينية عندما تحكم، سواء كانت بواجهات اسلامية او مسيحية او يهودية، يبرز منها في منطقتنا اضافة الى الأحزاب الحاكمة في اسرائيل، احزاب الإسلام السياسي و الطائفي السياسي التي تعبّر كما يثبت الواقع، عن مصالح و خطط فئات و طبقات طامعة بالحكم و تتستر بإسم الدين و الطائفة لتسويق برامجها، بلا مبالاة بما يسببه ذلك بخسائر بشرية داخلية، لإثارتها نزاعات و حروب متنوعة يضيع فيها الفكر و المنطق، بدلاً من السعي لتكوين و تطوير مواقف الجماهير و تحويلها الى طاقة هائلة تواجه تحديّات المرحلة، و التي تحققها احزاب سياسية و صحافة حرة، تنظّمها قوانين دستورية . .
ولابدّ من الإشارة الى ان التكاليف اللازمة للحروب و النزاعات تلك تكون عادة من خزائن البلدان، المتكوّنة من ثروات الشعوب و من دافعي الضرائب، على حساب حق المواطن بعيش لائق و مجتمع اكثر رفاهية . . في وقت تعمل فيه دوائر الحروب تلك يداً بيد مع الدوائر السياسية و الفكرية لشحن اوسع الأوساط و تعطّشها للثأر او لحقّ مُصوّرٍ لها، لسوقها الى الحروب . .
و في الوقت الذي يفرح فيه كثيرون الى تزايد النشاط لإبراز اهمية الفكر في مواجهة الإرهاب الذي يعني فسح المجال لإنطلاق الفكر و حداثته، مع توفير القوة اللازمة لردع الإرهاب . . تنبّه اوساط اخرى الى ان الإرهاب اضافة الى العوامل المذكورة، فإنه لا يُولَد الاّ في ما اصطلح عليه بـ " حواضن الإرهاب " التي تتضمّن مناطق جغرافية او فئات و اوساط شعبية معيّنة و خاصة الشبابية منها، من التي تعاني الأمريّن اكثر من غيرها في حياتها اليومية في المرحلة المعنية . .
لمعاناتها اكثر من واقع عنفي حربي يومي، تدمير منازل و هروب و نزوح اعداد و مجاميع متزايدة بشكل غير متصوَّر للأفراد و العوائل بنسائها و اطفالها و شيوخها، بسبب الإنتماء لطائفة و الإنتماء الطائفي المضاد من جهة، و بسبب السياسة الطائفية للحكومة في بلادنا التي تسببت في الدورات السابقة بالإعتقالات العشوائية و اهمال المحافظات العائدة للطائفة غير الحكومية ـ رغم مشاركة ابناء منها في مؤسسات الحكم ـ ، بسبب الهيمنة الفعلية لطائفة بعينها على مؤسسات الدولة، و ضغوطها المتنوعة على الطائفة المقابلة في تطبيقات غير سليمة للقوانين الجديدة .
من جهة اخرى فإن المعاناة المتكررة من انقطاع الكهرباء و الماء الصالح للشرب و لفترات طويلة التي جعلت الحياة في الصيف اللاهب لاتطاق، اضافة الى تصاعد اسعار المحروقات في الشتاء و مخاطر البرد، تقطّع الدراسة و اهمال بناء المدارس الجديدة و بقاء نسب عالية منها في ابنيتها القديمة الآيلة الى السقوط الذي تسبب بانخفاض المعارف بل و شيوع الأمية في اوساط تزداد اتساعاً من الاجيال الجديدة، و الى انهيار الرعاية الصحية الرسمية، اضافة الى الفقر الناجم عمّا تقدّم، البطالة و انخفاض دخل الفرد في مناطق دون اخرى و غيرها، مما يجعل الحياة اليومية لاتطاق فيها . .
كل ذلك جعل من تلك المناطق حواضن طبيعة لإنطلاق الإرهاب بسبب رفض الواقع اليومي القائم و استنكاره او التذمّر منه، و خاصة بعد ان اهملت الحكومة و مؤسساتها المطالب السلمية و الإعتصامات المطالبة باطلاق سراح المعتقلين العشوائيين و الرهائن و النساء المعتقلات بجريرة ذويهن، و اهملت المطالبات عبر الطرق الدستورية الشرعية القائمة، بل و واجهت اعتصامات سلمية بقوة السلاح، محدثة بذلك فتنة طائفية هناك ادّت الى تمردات العشائر في المناطق الغربية، التي استغلتها و تستغلها داعش الإجرامية للتمدد، وفق ابرز وكالات الأنباء الدولية و المحايدة . .
و حتى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة د. العبادي الذي بدأ باحداث تحوّل ملموس في موقف الحكومة الجديدة بتقدير مراقبين، اضافة الى توقّع جديّة وزير الدفاع الجديد الذي بدأ حقيبته باعلانه البدء بالتحقيق في أسباب سقوط الموصل و مدن هامة اخرى بيد داعش الإرهابية و اعلانه عن عزمه على معاقبة المذنبين، الأمر الذي بدأ يحدث تغيّراً ايجابياً في مواقف جماهير تلك المناطق من الحكومة . . كما تتناقل انباء متنوعة المصادر من هناك.
و على ذلك يرى كثير من السياسيين و المثقفين و من الأكثر اطّلاعاً ان مواجهة الإرهاب و الإنتصار عليه و خاصة مواجهة داعش الإرهابية في بلادنا لايتم بالسلاح و الفكر فقط ان توفّرا فعلاً، حيث تتصاعد شكاوى كثيرة من قلة القوات الحكومية و من عدم التعويض عمّا نقص منها بسبب القتال الضاري مع داعش في مناطق تزداد التهاباً . .
و انما بالشروع الفوري و حيثما امكن في الاماكن التي تُحرر من الارهاب او التي يسود فيها السلم و الإستقرار . . الشروع بتنفيذ قرارات و تنفيذ مشاريع حكومية عاجلة لتوفير الخدمات و تطويرها في تلك المناطق ( اعادة بناء البيوت المحطّمة في تلك النزاعات و القتال كمنحة من الدولة، تعويض العوائل عن خساراتها، بناء مستشفيات و مستوصفات، مدارس، اسواق و افران، اعادة الكهرباء، بناء شبكات المياه الصالحة و شبكات الصرف الصحي . . ) و السعي بكلّ الإجراءات العملية لتكوين و تقوية شعور اوسع الأوساط باختلاف تكويناتها، بان الحكم القائم هو حكمها . .