هل داعش منظمة اسلامية حقّاً ؟؟ ـ 1 ـ
بقلم : د. مهند البراك
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم يعد سلوك داعش الارهابية الوحشية سرّاً او سلوكاً يمكن تبريره، من منظمة تدّعي انها تريد الخير لشعوب المنطقة على اساس ديني . . و كأن المنطقة خلت من الأديان و المذاهب المتنوعة و التي هي منبع الأديان السماوية و مذاهبها بأجمعها. و فيما ترى اوسع الأوساط ان الوحشية في قتل الإنسان في عالمنا الشرق اوسطي فاقت المعقول و بلغت اللاحدود في تأريخ المنطقة التي عاشت الوحشية اللاإنسانية كما عاشها العالم في مراحل غابرة بدرجات اقل او اكثر . .

و ترى ان داعش اخذت تصوّر باحتراف واضح عملية نحر الإنسان لعرضها على العالم اجمع و تصوّر الإعدامات الجماعية و القتل الوحشي على الهواء في مجاهرة بالوحشية مخطط لها اعلامياً و نفسياً كجزء من عملية تستهدف نشر الرعب ( حتى ترتعد فرائص الخصوم والأعداء من المواجهة، وحتى ينتشر الخوف في المجتمع، ويشكّل رادعاً لكل من قد يتعاون ويدعم هؤلاء الخصوم والأعداء . . ومن ثم يتحقق الاستسلام )، ثم النصر تحت راية دولتها، بنظر قادتها .

فإن تلك الاوساط الواسعة ترى في التأريخ الحديث للمنطقة و احداثها . . الكثير من وقائع الوحشية باشكالها كما يتعرّض له الفلسطينيون منذ أكثر من ستة عقود، من اغتصاب الأرض الى تطبيق مبدأ العقاب الجماعي على من يقاوم الاحتلال، و في دول المنطقة قبل الاحتلال الأميركي ثم الاحتلال نفسه و اخطاؤه الكبيرة . . بعد ان كانت البيئة السياسية في العراق تحت حكم البعث الصدامي الدموي متوحشة أمنياً وسياسياً اقترفت انواع جرائم القتل الجماعي على الهوية، اضافة الى البيئة المشابهة التي خلقها نظام البعث السوري . .

فإذا أُخذ كلّ ذلك في الاعتبار، يتبادر الى الذهن أن داعش بدمويتها و وحشيتها لم تنزل من السماء، وإنما هي نتيجة لذلك و نبتة من النباتات السامة لبيئة سياسية واجتماعية تراكمت بالقمع، وتعفّنت بمرارات الحالة الاجتماعية التي أفرزتها هذه البيئة، و يذكّر ذلك بأن ستراتيجية الخوف التي تعتمدها داعش هي استنساخ لتجربة نظم سياسية تعتمد الستراتيجية نفسها مع مواطنيها. والعراق وسورية لا يمثلان معاً حالة عربية استثنائية، بقدر ما هما حالة يمكن ان تكون نموذجية لذلك، و على ذلك نشطت داعش فيهما و اعلنت (دولتها الاسلامية) . .

و بنظرة سريعة الى ظهور داعش و ماهية متغيّرات عالم اليوم، يشير متخصصون الى التغييرات الجارية في عالم الجهاد اليوم، فإن المتحمسين لداعش و الملتحقين بها و خاصة الشباب الّذين تتركز جهود داعش بالأخص لكسبهم، يتميزون عن السابق حين كان الجهادي يظهر بلحية و بثوب قصير وفي عينيه نظرات غضب وفي حركاته توتّر، و يتبنى رأياً دينياً متطرفاً، ويتردد إلى دروس ومجالس تغذّي توجهه، اضافة الى تلمّس الوسط المحيط به حدّته في المواقف، ومناداته بالخلافة وتنقية الإسلام و ظهوره بمظهر داعية جاد، لديه حد معيّن من الثقافة الدينية، و يميل إلى دوائر اجتماعية مغلقة من المتماهين معه . . إلى أن يتمكن أحد الكوادر من اصطياده وتجنيده، ليبعثه إلى حيث منبع التدريب والتكفير سيّئا الصيت.

انهم يتميّزون عن السابق، بعد ان تبدّلت الصورة اليوم، إذ تجد شاباً متفلتاً نحو الحياة الصاخبة، كثير العلاقات، نجماً في الحفلات بأنواعها بنسائها و رجالها، منشغلاً باهتمامات دنيوية لا تترك له مجالاً حتى لارتياد المسجد أو أداء أي من الصلوات، و فجأة يجده أصدقاء الأمس مغرّداً من أرض الشام و العراق، متسلحاً برشاش وخلفه العلم القبيح لداعش .

و فيما كانت الجماعات الجهادية تستثمر الحس الديني لأجل استقطاب الشباب وإغرائهم، وتبذل جهداً في إقناعهم بصحة معتقدها وسلامته، وأن ما يقومون به هو جهاد صعب قد لا يشكّ فيه . . و الآن قد تكفي تغريدة واحدة من أحد المجايلين أو زملاء الدراسة لأن يبدل الشاب حياته، فلا يمسي ليله إلا بين اصحابه في الروح. و كان الملتحي إذا أراد السفر إلى أية دولة ينشط فيها الإرهاب، لاحقته الأجهزة الأمنية من محطة المغادرة إلى محطة الوصول، وتابعت خطواته أولاً بأول،حيث كان لا يستطيع السفر إلا عبر دروب معقدة وبعد محاولات لفشل الاولى . . أما ارهابي اليوم فهو قد يخرج من حفلة صاخبة ليتجه إلى المطار مباشرة،آمناً حتى يصل إلى أقرب نقطة تصله بجماعته.

و يلاحظ كثيرون حس المغامرة في الالتحاق بداعش، المتكئة على حملات دعائية جاذبة عن سهولة النصر وعن الامتيازات والإمكانات وخيارات اللهو الدموي لكل شاب مغامر او ضائع يبحث عن دور أو يفيض حماسة وطاقة، حتى انه اجتذب شباباً من عشرات الجنسيات . . كأنهم فريق كشافة عالمي !! في رحلة تتضمن انواع المغامرات المرعبة لعشّاقها. فالالتحاق بداعش لا يتطلب سوى بعض النقمة الشبابية، أياً كان سببها، وبعض التذمر من سوء الحال، ثم يقدم هذا الشكل الانتحاري للحل في إطار الشجاعة والتحدي !!

فمغردو داعش يظهرون بكونهم يتابعون انواع المباريات التي تلهب حماس الشباب ويتبادلون النكات مع متابعيهم ويستخدمون انواع المصطلحات الشبابية و التمويهية لشباب اليوم، ويبعثون بصورهم التي تظهرهم كيف يطفحون بالسعادة والسرور، ويعيشون في منازل آمنة ويقومون بانواع الموبقات تحت الراية المقدسة، ويتمتعون بكل أنواع السيارات . .

فلا يشعر الشاب أن في انضمامه إليهم خطر، كما هي الحال مع القاعدة الارهابية، بل هو نزهة برّية وجلسة ممتعة مع الأصحاب، ثم إنها تجري ببساطة، إذ تكفي دعوة من صديق أو زميل كي يُستقبل الشاب و كأنه حامل لواء النصر، حتىّ صارت داعش ملتقى لتجمّع المغامرين بالوانهم من أي مكان و من اية ملّة كانوا، يتجمّعون على قَسَمْ . . و يكاد يجمع الباحثون على أن سبب الانتماء لداعش هو النقمة و السخط المنفلت على حياتهم ذاتها، اكثر مما هو آيديولوجيا التي قد تأتي لاحقاً حين لا يكون أمام الإرهابي الجديد سوى مصدر وحيد (للعلم الديني) .

و تصف تقارير حكومية و لمنظمات دولية متنوعة تتناقلها و سائل الإعلام، تصف جماهير داعش بكونهم يتناسلون من النوادي والملاعب، ومن اتخاذ الإنترنت بوابة متعة وتواصل او ادمان عليها، اضافة الى كثافة حضورها في برامج و صفحات الانترنت. وتغريهم ذكوراً و اناث جماليات العرض الإعلامي للتنظيم من الوان و حماسيات و موسيقى، اضافة الى الجنس المجاني و المتنوع و الأخّاذ سواء كان عنيفاً او شاذاً للجنسين، بعد ان صارت للتنظيم نساء رقيق بقوة السلاح و الارهاب و مئات الفتيات المختطفات عنوة طوع بنانهم القذر، بحجج دينية و مذهبية زائفة، و بعد تشريعه ابواب جهاد النكاح ليكون غسّالاً للذنوب و مفتاحاً للجنة، على حدّ زعم (مراجعهم) . .

و بذلك الهوس المتنوّع و الضحالة الفكرية و الأخلاقية و الدينية، يصبح الشباب المنتمين لداعش ذكوراً و اناث لايفرّقون . . لايفرّقون في احيانٍ كثيرة، بين المغامرة والجريمة، فحين يغيب الوعي، يتشابه الأمران بنظرهم، بعد ان كان دعاة الجهاد متحزبين جادّين، في تيّارٍ جارف لأنواع حركات الجهاد كما سيأتي. (يتبع)

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 26-11-2014     عدد القراء :  2682       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced