و على ذلك يرى كثيرون في تصريحات سنودن (1) عن ان داعش هي وليدة انظمة و مخابرات دولية و اقليمية، بكونها تنسجم تماماً مع مايجري من صراعات في المنطقة الملتهبة بالذات لتستقطب و تكون قطباً فيها، يجذب أنواع الشباب ـ بانواع قومياتهم ـ الساخطين، على حياتهم و انظمتهم في العالم بتغييراته العاصفة، و توفير دوافع دنيوية ملموسة لهم فيها تحت الراية المقدّسة، كالنساء المنتَظَرات على الارض و ليس في الجنة و المال، والانتقام من انظمة اقليمية و غربية، و يؤكد خبراء ومسؤولون متنوعون بأن هولاء الجهاديين لا يندفعون إلى القتال بمحفزات إيمانية بحتة فقط . .
اضافة الى تحقيق انتماءٍ لهم (2) بدعم من بيوتات دينية، حتى و لو كان ذلك الإنتماء عشوائياً الاّ انه يخدم رأس المال العملاق، و بالتالي الى الانغماس المسليّ الجاذب، لإبعاد خطرهم عن مراكز الصناعة و الإستثمار و بيوت المال العالمية و لإبعادهم عن طريق تغذية صراعاتهم الدموية بينهم، ابعادهم عن تشكيل خطر جديّ على اسرائيل كقطب اقليمي هام في صراعات المنطقة في زمن صعود الموجة الدينية فيها، الأمر الذي ينطبق على مثيلات داعش الناشطة في المنطقة ايضاً . .
و يرى متخصصون بجماعات و ملتحقي الارهابيين في توفير انتماء للتائهين و الضائعين . . يجعلهم يشعرون بانتمائهم هذا، بكونه انتماء إلى جماعة، هم فيها مجاهدون. فالدين هنا هو مجرد وسيلة لتكوين جماعة إسلامية لتنسجم مع محاور الصراعات الجارية على اساس الدين و الطائفة ، و يرون انه كان يمكن أن تكون أي شيء آخر في تشكيلة صراعات المنطقة . . انه مجتمع وهمي يقوده متنفذون اشرار تدرّبوا على قيادة جماعات من قطعان بشرية تتخيّل او يترائى لها بأنها تشكّل جزءاً منه، حتى وإن كان افرادها لا يمتّون إليه بصلة. إنهم يشعرون بأنهم جنود للدفاع عن مجتمع ديني بلوره اختصاصيون بكونه البديل المنشود، الذي يقال لهم إنه يتعرّض للتدمير . .
و هكذا تتشكّل مراكز جاذبة للهاربين من جفاف و قساوة حياتهم، و للراغبين في المغامرة لتحقيق ذواتهم الضائعة، او لتحقيق مطالب سياسية و للخروج من عدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع، والانجذاب إلى الحرب و الحلول العنفية العاجلة والرغبة في الحصول على لقب بطل في نظر الاصحاب، وخوض تجربة مثيرة معهم . . و حيث يلتقط كثيرون الخطاب الإسلامي المتطرف على الانترنت، الذي نادراً ما يفهمونه أو يعرفون مقتضياته، ويستخدمونه للتعويض عن نواقصهم وضعفهم ولتغذية أوهامهم أو تطلعاتهم الخيالية . .
فراهنت الدوائر التي تقف خلفها على تحقيق انتصارات سريعة لها بأي كلفة . . لعب فيها دوراً واضحاً ضباط كبار كانوا من المخابرات و الوحدات الخاصة لصدام، ممن اعتمد عليهم صدام و ابنائه و الدوري في اختفائهم و هروبهم، الّذين صاروا قياديين في الهياكل الاساسية لداعش، موظفين لذلك ارشيفاتهم المهرّبة عن اسرار البلد، اضافة الى من بقى من شبكاتهم السرية التي تلوّنت او تحوّلت الى خلايا نائمة او حزب العودة، مستغلة الضيق من الانحياز الطائفي لفترة حكم المالكي الطويلة . .
و حققت تلك الانتصارات السريعة لها، بتحالفها مع انواع المنظمات الإرهابية و الإجرامية التي يجمعها النهب و الإرهاب و الوحشية بأية راية كانت، فالمهم لديها ليس ماهية البديل السياسي او الشكل الديني و المذهبي، او الفكري الايديولوجي التي تطرحه، و انما تحقيق نصر عسكري يحقق لها الزعامة و الجاه و الثروة و التحاقات من المنظمات الجهادية الاخرى، الأمر الذي وصل بها الى استلام اسلحة من كبار دوائر صهيونية متطرفة، و معالجة جرحاها في مستشفيات تل ابيب كما تناقلت وكالات الأنباء بصور و مقاطع فديو . . نصر عسكري جعل الاخوان المسلمين في مصر يرفعون شعارات و رايات داعش، كما حصل في مظاهرات الاخوان في حي المطرية الشعبي مؤخراً هناك . .
اضافة الى تركيزها و سعيها للسيطرة على الحقول النفطية التي باشرت باستثمار قسم منها و تسويق منتجاتها، و على حقول نفط و غاز متنازع عليها و طنياً و دولياً . . في تأهيل غير معقول للدخول في المعادلات الدولية في خطط تهدف الى ارعاب و ارباك اوبك.
و يصف مطّلعون محايدون ان الدور الذي صُممت لتلعبه داعش او اي مثيل مقبل لها في المنطقة قد يشابه الى حد بعيد ـ مع انواع الفوارق ـ ، الدور الذي قام و يقوم به افراد او دوائر حاكمة او نافذة في اسرائيل او ايران او في دول عربية كسوريا و قطر و في حكومة المالكي السابقة في العراق او في تركيا، و انها يمكن ان تكون اداة بيد اية قوة او دولة ان وفّرت لها ما تريد، لأحداث فتنة دينية تخدم اهدافها . .
حتى باشرت بنسف اضرحة الانبياء و الأولياء و بتغيير القرآن بحذف آيات منه بدعوى كونها محرّفة و غيّرت آيات من " سورة الكافرون" و "سورة الأحزاب" حتى الآن، وفق تصريحات أمرائها، و شرعت بمحاربة و سبي معتنقي الديانات السماوية و المذاهب الأخرى، و اعلنت عزمها على تهديم الكعبة، الأمر الذي يجعلها غريبة عن الإسلام في الدولة الحديثة في سلوكها، او تتنافى مع احكامه المعروفة في العصر الحديث، و تتنافى مع طروحات التنوير الديني و الدولة المدنية و اجتهادات فصل الدين عن السياسة كي يلعب الدين دوراً اجدى في الحياة، وفق بيانات عديد من المراجع الإسلامية المعترف بشرعيتها.
لذلك يرى مهتمون و مهنيون بأن معالجة المشكلة ليست امراً دينياً فقط، ولا يكفي التحريم و التأهيل و الإصلاح الديني لمواجهتها، بل لا بد من وقفة وطنية دولية لمعالجتها بمستوياتها المتنوعة . . سياسياً،عسكرياً، اقتصادياً، ثقافياً، تأهيلياً، و حضارياً في اعمال اجتماعية يومية . . . و فتح بوابات التأهيل للشباب و الشابات، بدءاً من المدرسة و نشاطاتها اللاصفية . . الى التأهيل العالي و العمل المهني . . (انتهى)
28 / 11 / 2014 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ـ سنودن موظف كبير في الـ (ان. اس. اي) الامن القومي الاميركي و انشق عنه .
2. تحقيق انتماء و لو عشوائي تجسّده المقولة الشعبية المصرية ( اللي ما عندو كبير يبحث عن كبير)، لتحقيق انتماء يحقق لذلك الفرد البسيط فكراً، امنه الداخلي و يحميه وفق قناعاته الايمانية غالباً .