لا يخفى عمق الجروح التي اصابت وحدة و تراص شعبنا، التي اتخذت وتائر اخطر منذ ان اصابت وحدة الشعب المكوناتية ذاتها، بعد ان كانت تصيب الافكار و المواقف السياسية و الاجتماعية و الطبقية . . حيث اخذت تنحى ذلك المنحى الخطير منذ سقوط الدكتاتورية و تعليق القوانين و حل الدولة و القوات المسلحة و مقاومة فلول الدكتاتورية و اعلان الإحتلال و ظهور انواع مقاومته سلميّاً و عسكرياً لبس لبوساً طائفياً . . و بإعلان حكم المحاصصة الطائفية و العرقية و سوء استخدامه من قبل الكتل المتنفذة و خاصة حكومة المالكي التي حكمت ماقارب العشر سنوات، و التي كان عليها مواجهة الإرهاب الاّ انها جاءت بارهاب مضاد و بفساد اداري صار يشكّل ثنائية متلازمة مع الإرهاب . . وسط تكالب القوى الداخلية المتفاعل و المدعوم من قوى اقليمية و دولية تتصارع بسبب نزاعاتها هي ـ الأخيرة ـ على الغنائم . .
و منذ ذاك رُفع شعار المصالحة و اقيمت انواع الفعاليات و المؤتمرات و المهرجانات و الصلات و سُميّتْ انواع المناصب با سم تفاصيل ذلك الشعار . . الاّ ان ذلك و لكل الظروف اعلاه، لم يأتِ الاّ بسبل خاطئة لتحقيق المصالحة، سبل تسببت بأنواع النفاق و الهدر الدموي و المالي و الفساد الإداري، و خاصة بسبب استغلال جماعات مسألة العفو و صارت غطاءات للارهاب و الفساد، بل و وصل بها عدد من ارباب السوابق الى مناصب حكومية متقدمة ـ و التقوا بالفاسدين من المسؤولين ـ و لعبوا معاً ومن مواقع متنوعة، ادواراً متواصلة بذلك النهج المؤسف، الذي ادىّ الى استفحال اخطار مهّدت السبيل لدخول داعش الإرهابية الوحشية اللاأخلاقية التي وظّفتها لإحتلال ثلث البلاد . .
في ظروف صارت سمة الإرهاب فيها هي الطاغية على الصراعات ـ بما فيها ممارسته من جهات عائدة لاطراف متنفذة بحكومة المالكي ـ، و صارت الجماهير بانتماءاتها المتنوعة ضحية جديدة لها و صارت الأطراف العراقية كلّها تئنّ من جراحاتها و تدعو للثأر الذي لاينتهي حتى بتدمير مابقي من حضارة البلاد و من كياناتها و قواها الفاعلة و المحرّكة . .
و فيما تتطلّب المصالحة اعلان الأطراف عن اسفها و ندمها عن ماقامت به و اعلانها عن انها ستواصل نهجاً سلمياً من اجل عراق آمن اتحادي موحد بضمانة قوى متنفذة دولية و اقليمية تمتلك قوة ردع واقعية . . لم يعلن اي طرف عن ذلك، فمن حزب البعث الصدامي الذي لم يعترف حتى الآن بأخطائه و جرائمه و لم يطالب بالعفو و لم يعلن عن اسلوب جديد سلمي، بل بالعكس . . الى قيادة حزب الدعوة الحاكم و حكم رئيسه السيد المالكي، رغم اخطائه المدمّرة بعد سقوط الدكتاتورية التي وصلت حد احتلال داعش لثاني اكبر مدينة عراقية تحت حكمه، و رغم التظاهرات و المطالبات الشعبية و الانتقادات الشديدة و غيرها . . و رغم الإجراءات الأنضباطية للحكومة الجديدة التي صارت تُتّخذ بحق الفاسدين من مسؤوليه وفق الأحكام الدستورية . .
في وقت ثبت فيه ان الدماء و الإرهاب طوال السنين لا يمكنها ابادة مكوّن لمكوّن و لايمكن لمكوّن واحد ان يحكم بمفرده . . و ان الأمر ان جرى سابقاً فإنه لم يكن بتلك الحدة و الدموية، و انه لم يعد ممكناً الآن بسبب المتطلبات الجديدة لحياة و عالم اليوم، افعال العولمة و ضياع حدود الدول، الاكتشافات الجديدة لبواطن الأرض العراقية بطولها و عرضها . . التي تتطلّب التفاهم و التعايش و التوافق و سيادة مفهوم التنازلات من اجل الأفضل للشعب بكلّ مكوّناته . . كما ان إنصاف مكوّن واحد ان صحّ التعبير من اجل التئام جراحه لوحده لم يعد حلاً، بسبب الخسائر الهائلة عند كل المكوّنات و الأطراف العراقية طيلة السنين، قبل و بعد سقوط الدكتاتورية . .
و تؤكّد اوساط خبيرة ان تحقيق التوافق و سيادة مفهوم " التنازلات من اجل الأفضل للشعب" هو الطريق الوحيد المفضي الى مصالحة حقيقية، و لتحقيقه يتطلّب مواجهة العقبة الصخرية لجماعات الجريمة المنظمة و ممتهني الجرائم و القتل و الإرهاب كوسائل لتحقيق الغايات، بعد ان صارت مهناً و امراضاً، تتطلب معالجتها اضافة الى معاقبة كبار ممتهنيها، فإنها تتطلّب فحصها و قياس خطورتها و بالتالي خطورة افرادها الطبية و الإجتماعية على المواطن و المواطَنَة، لتقرير مصير اولئك الأفراد و ما يستحقون .
من ناحية اخرى فإن ماجرى في البلاد في مراحل سابقة، و ماجرى من اهمال تاريخي لمناطق و مناطق، و رفاه لأُخرى في ذلك الزمن ثم تعاكس ماجرى لاحقا . . صارت تتطلب حلولا نصّت عليها مواد الدستور بوضوح الآن، من اجل خير البلاد و العباد و حقّهم بالتنمية و الرفاه و بالحياة الحرّة الكريمة، و لدول العالم تجاربها الساطعة الناجحة على هذه الأصعدة يمكن مراجعتها، بل و قد ذهبت وفود عراقية خصيصاً للإطلاع عليها و دراستها. و امام البلاد التجربة الناجحة لإقليم كردستان العراق الذي استطاع بحنكة احزابه و قواه و بالتفاف الشعب حولها تحقيق الأمن و السلام في منطقته، رغم انواع المخاطر و التهديدات و الثغرات و النواقص . .
و فيما يختلف مراقبون و محللون في تقييم و تحليل تصاعد مطالبات بإعلان محافظات نفسها كأقاليم و ميل اخرى الى الإنضمام معاً لإعلان اقليم وفق الدستور، يرى كثيرون ان تلك المطالبات تأتي للتخفيف من المركزية المفرطة لإدارة الدولة، و للشعور بالغبن من ممارسات الحكومة الإتحادية المركزية، لعدم سماحها و فرضها على الحكومات المحلية عدم ممارسة الحقوق كاملة وفق قانون المحافظات رقم 21، و ليس بسبب ميول الإنفصال . .
بشرط وجود حاجة فعلية و ليس طارئة عند تكوين الإقليم المعني، وان يكون انعكاسا لإرادة أهل الإقليم الحرة ويعبر عن طموحاتهم، بعيدا عن الطائفية والإكراه و التلويح بالعنف. و في اجواء توافق في تلك المناطق، و اجواء تحقيق مصالحة حقيقية وإعادة الأمن والاستقرار. والاّ فإن تشكيل الأقاليم في ظل الظروف الاستتثنائية القائمة لن يحمل الأمن والاستقرار والازدهار، وإنما يمكن ان يكون مصدراً لمزيد من الانقسام و المصادمات والتدخلات الخارجية و مضاعفاتها . . و يؤكدون على ان الإسراع في تنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان و انجاحها كعامل للسلم و الإستقرار، سيلعب دوراً هاماً في تنضيج الآراء و المواقف من اجل السير على طريق الحكم الاتحادي الفدرالي على اساس الديمقراطية الإدارية لعموم البلاد . .
في وقت ترى اوسع الأوساط انه لا يمكن حصول تحسن كبير اوتغيير فعلي لصالح المواطَنة و تساوي المواطنين رجالاً و نساءً بإختلاف مكوناتهم، في الحقوق و الواجبات امام القانون، ما دام النظام السياسي فيه يقوم على المحاصصة الطائفية والتمييز الديني، القومي، الطائفي و على سياسات تهميش ابن الوطن لكونه من مكوّن آخر. و لا يمكن الخلاص من الإرهاب الدموي والفساد، سواء أكان على أيدي عصابات داعش المجرمة أم على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة الاّ بحصر السلاح بيد الدولة وحدها. بشرط تقديم من سرقوا البلاد و العباد و بأنواع الفضائيين الى القضاء بعد ازاحتهم من مواقعهم الهامة في قمة الدولة و اجهزتها العليا وفي أجهزة الأمن والشرطة والجيش وأجهزة الدولة المدنية المتنوعة الأخرى.