تفجيرات الثلاثاء، لم تختلف في الطريقة والتوقيت والاهداف، وحتى في ردود الافعال، عن سابقتيها، إلا في سقوط ضحايا مدنيين باسماء اخرى، وإلا، ايضا، في تفاصيل ثانوية غير ذي اهمية.. فمقاسها ثابت في الاصول والفروع والمنهج، ولم يكن قد تجرأ (او سيتجرأ) على الدفاع عنها (علنا) سوى تنظيم القاعدة ورطانة دينية اسمها: دولة العراق الاسلامية، لكن الفرحين بها، سرا، كثيرون.
من هنا يجدر التأكيد على البديهيات ذات الصلة بتفجيرات الاربعاء التي طالت وزارتي الخارجية والمالية في آب الماضي، وهي نفسها البديهيات التي طرحتها تفجيرات الاحد لوزارة العدل ومحافظة بغداد في تشرين الاول الماضي.
وتتوزع تلك البديهايات على عدة مستويات، اولاها، يتعلق بالمشروع الارهابي الاجرامي الذي انتقل الى طور جديد من النشاط بعد ان فقد الارض والقواعد الثابتة، ولم يفقد الدعم(الداخلي والخارجي) وخطوط الاتصال والافراد، وتقوم هذه الانشطة الجديدة فوق "استراتيحية" تقوم على الهاء الدولة واجهزتها بهجمات محدودة ومتباعدة وسريعة تمهيدا لهجمة "اختراقية" يجري الاعداد لها جيدا وتحشد لها امكانيات لوجستية واسعة: رصد. اختراق. معلومات. اوكار. انتحاريون..
ولا يصح التعامل مع هذا المشروع بوصفه مجموعة من المسلحين التابعين لتنظيم القاعدة وفلول حزب البعث المسلحة فقط، فهو يمتد الى خارج هذا الاطار ليضم ايضا شرائح سياسية وقبلية ودينية(وطائفية) ليست بالضرورة تنسق فيه، او معه، بل تمهد له الجو والبيئة (وربما التنفيذ) والاخطر هنا، ان هذه "الامتدادات" تستثمر الهجمات في تمرير شعارات واجندة سياسية، لايغيّر من طبيعتها التآمرية انها تدعي الحرص على الامن وحماية حياة المدنيين، ولو حللنا كيمياء الخطاب السياسي لبعض القوى المحلية المناهضة للتغيير والحكومة(وبعضها مشارك في العملية السياسية) والتي اعقبت التفجيرات الدموية الثلاث، لوضعنا ايدينا على ملامح واضحة لحراك سياسي منهجي يعضد المشروع الارهابي، او يصبّ في ماكنته، إن لم يكن جزءا عضويا منه.
ولم يكن ليثير العجب-طبعا- تكرار مفردات الخطاب السياسي موضع التحليل، لكن العجب يتمثل في نداء كان يهبّ من سريره، في كل تفجير من التفجيرات، على شكل دعوة الى تحريك ملف "المصالحة الوطنية" باعتباره الطريق الامين الى انهاء دورة العنف والدماء الامر الذي يطرح سؤالا مهما على الوجه التالي: هل ان المصالحة المطروحة "وصفة" خاصة بالتفجيرات ام انها ضرورية لمجتمع ورث احتقانات وانعدام ثقة، ولطبقة سياسية انانية لم تحتسب كفاية لاهمية التسامح ونبذ الكراهية والانانية والصراع على السلطة؟ ثم، هل تعني هذه الدعوة المترافقة(مرة اخرى) مع التفجيرات الاخيرة مصالحة "المفجرين" لكي يكفّوا عن اراقة الدماء؟ ام تعني إعطاء اصدقائهم ووكلائهم وانصارهم ومهربي اسلحتهم المزيد من الامتيازات على الارض وفي اقنية الحكم لكي يقنعوا الجناة بوجوب تقوى الله في البلاد والعباد؟.
المشروع الارهابي، شأن أي ردة ظلامية، يتخفى وراء ستارة من النصوص والشعارات والرطانات المقدسة، يحرص القتلة على ان يجعلون لها اسنان متوجشة.
ــــــــــــــــ
كلام مفيد:
" ما لا نستطيع فهمه بالكامل لا نستطيع السيطرة عليه..".
غوته
كتب بتأريخ : الخميس 10-12-2009
عدد القراء : 2547
عدد التعليقات : 0