حول هذا الموضوع الصادم (الشائك والمأساوي)، حاورنا الرفيق حسين كنجي (ابوعمشة) الذي زار العراق/كردستان، وبالتحديد مناطق ومخيمات ايواء النازحين في دهوك وزاخو وبعشيقة وبحزاني، زاويتا ومجمعات خانكي وشاريا...الخ، كما زار بعضا من خطوط التماس الساخنة، وصولا الى جبل بحزاني...
وبهدف التعرف على الغرض من هذه الزيارة وطبيعة المهمة التي تطوّع اليها، و أُوكلت اليه ايضا ، على الرغم من متاعبه الصحية الصعبة وحاجة جسده المتعب للمتابعة الطبية اليومية. وليحدثنا حول انطباعاته عن الاوضاع الانسانية المأساوية التي تعرض لها الايزيديون والمسيحيون وعموم السكان من المواطنين العراقيين، جراء سيطرة داعش على محافظة الموصل ودشت نينوى والسيطرة على جبل سنجار وبعشيقة وبحزاني الخ... بسبب انسحاب قطعات الجيش العراقي المكلفة بحماية المنطقة، وانسحاب البيشمركة من جبل سنجار.
يقول ابو عمشه :
كنت ضمن وفد من ثلاثة اشخاص، تم اختيارهم من قبل الجالية الايزيدية في الدنمارك لإيصال معونات نقدية للنازحين، وكانت المبالغ التي حملناها الى هناك، قد تم جمعها بجهود الجالية الايزيدية و شخصيات من اصدقاء عرب وكرد وآشوريين في الدنمارك. كما اتفقنا على ان نتحمل شخصيا نفقات سفرنا وقد تم ذلك فعلا.
عند وصولي الى هناك اصبت بصدمة شديدة من هول المأساة. ان تتابع الاوضاع عبر الصحافة وشاشات القنوات الفضائية، أوالتواصل مع الاهل والاصدقاء الذين يعيشون المحنة شيئ ، وان تراها بأم عينيك شيئأ آخر.
كانت تنتابني مشاعر متناقضة بين التأسي على الاوضاع الحرجة من ناحية، وبين تفجر زخم الطاقة في دواخلي للعمل المتواصل و المساهمة في تخفيف عبء الازمة بأي قدر كان، مهما كان متواضعاً.
و قد حققت ذلك ، إذ استطعت الانتصار على آلامي المضنية وتحملت التنقل عبر القرى والمخيمات، في وسائط النقل او مشيا على الاقدام تحت زخات المطر، خائضا في الوحول بهمة لا تقل عن همة الشباب الذين عملت بمعيتهم. وكنت اجد سعادتي عندما ترتسم امامي ابتسامة طفل وسط الاوضاع البائسة التي تعيشها العوائل النازحة.
في دهوك وزاخو التقيت بالعشرات من عوائل النازحين الذين يعيشون في هياكل الابنية المتروكة بلا جدران، وعمليا يعيشون في الفضاء العاري، ومنهم من احاط عائلته بقطعة من النايلون مكانا للمعيشة ومنهم من يعيش في الشوارع ، والحدائق وفي الساحات المفتوحة. ويبدو ان من يعيش في غرفة ممن توزعوا على صفوف المدارس محظوظا بالمقارنة مع الاخرين، حتى وان كانت الغرفة الواحدة مشغولة بعائلة من عشرة افراد، واحياناً بعائلتين او ثلاثة معاً.
هناك مئات العوائل التي تعيش في الخيام، والبعض منهم كما رأيت في بلدة خانكي، زودوا بخيام رديئة النوعية وسريعة الاحتراق، وقد تسبب احتراق هذا النوع من الخيم في وفاة عوائل بأكملها. وفي زاخو يوجد هيكل مدرسة تعيش فيه 80 عائلة، ولكم ان تتصوروا حجم الكارثة.
بؤس مدقع ، أُناس حفاة، بملابس مهلهلة واطفال يموتون من الجوع. مقابل هذا المشهد القاتم ، يجب ان اشير الى ان اهالي مدينة زاخو ودهوك والعمادية بشكل خاص والمدن الاخرى ، قدموا مساعدات جيدة للعوائل النازحة، ولولاهم لمات الناس جوعاً، اضافة الى الدعم المعنوي وهو بحد ذاته هام جدا في هذا الظرف العصيب.
ان هذا الدعم والاحتضان من قبل الناس ، وهي نفس الحالة التي جرت في مناطق اخرى من العراق مع النازحين ، ليعكس عمق وتأصل الروح الوطنية والانسانية والتضامنية لشعبنا وبالرغم من كل الظروف القاسية التي مر ويمر بها الوطن على مر العقود الاخيرة .
تحتضن ارض كردستان اكثر من مليون نازح ، غالبيتهم من المسيحيين والايزيديين، وهو عدد كبير جدا، وعلى الرغم من المبادرات الكثيرة والكبيرة التي نهضت بها منظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج، والمساعدات المحدودة التي قدمتها سلطات اقليم كردستان، تبقى المشكلة قائمة والافاق تنذر بمخاطر الاصابة بالامراض وربما بوفاة العديد من الاطفال والنساء وكبار السن جراء سوء التغذية وقسوة الطبيعة.
بعد الانتهاء من توزيع المعونات، ذهبت الى جبل بحزاني، وكنت استطيع مشاهدة افراد من عصابات داعش بالناظور على قمم سلسلة جبل بحزاني. وفي الجهة المقابلة التي تواجدت فيها، كان مسلحون من سكان المنطقة ومجموعة مقاتلة من بيشمركة الحزب الشيوعي العراقي، يتمترسون بالجبل دفاعاً عن المنطقة ولمقاومة هجومات داعش المتكررة، وربايا عديدة لبيشمركة الحزبين (البارتي واليكتي)، كما يتواجدون في مطار بحزاني، ومعهم رفاقنا ايضا.
الايزيديون النازحون يتطلعون الى التضامن معهم على كافة المستويات، ابتداءً من توفير الملاذ الآمن لاطفالهم ولنسائهم، لهم جميعا. ولكنهم يركزون على ضرورة التضامن الاعلامي والسياسي مع قضيتهم. هناك جانب هام لم يلتفت اليه الاعلام بشكل جيد، هو جانب الصمود والمقاومة الذي اجترحه المتطوعون للقتال من اهالي سنجار، بعشيقة وبحزاني والقوش ومناطق اخرى، ولكنهم لا يمتلكون الان حرية القرار.
والخشية ان تكون نتائج هيمنة داعش والحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضدها، تؤدي الى إفراغ دشت الموصل ومدن سنجار وبعشيقة وبحزاني واطرافها من سكانها الاصليين من المسيحيين والايزيديين على وجه الخصوص.
ان المتطلبات الاكثر الحاحا الان للعوائل الايزيدية النازحة، ومن اجل استمرار بقائهم على قيد الحياة هو توفير المأوى المناسب والحد الضروري من المأكل والملبس. هل يبدو ذلك ترفاً ؟ّ؟!!!. سؤال نوجهه الى من يهمه الامر. علماً بأن جميع الاعانات التي قدمتها كل الجهات المانحة، تستحق عظيم الشكر والتقدير، ولكنها ماتزال قطرة في بحار الحاجة.