فيما ادىّ انتصار الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه و التدخل السوفيتي في افغانستان، الى التزايد الهائل لنشاط الدوائر الاميركية و حليفاتها الغربية و الإقليمية في المنطقة، الذي ازداد كمّاً و نوعاً مؤديّاً الى تشكّل انواع الميليشيات المسلحة و انواع المنظمات الإرهابية، سواءً لمواجهة القوات السوفيتية آنذاك ـ بالمجاهدين الأفغان و الأفغان العرب ـ او لموازنة و مواجهة و اختراق انواع المنظمات المسلحة الاسلامية الايرانية و الأفغانية و العربية و غيرها . .
فإن التدخّل العسكري الأميركي و اعلان الحرب على العراق و احتلاله، ادىّ الى حدوث ردود افعال عراقية و اقليمية لمواجهة الإحتلال رغم اسقاطه نظام الدكتاتورية البغيض، مواجهته تحت رايات الدين و الطائفة التي لعبت فيها ادواراً واضحة جهات متنوعة : من فلول الدكتاتورية الى التجمعات الطائفية المناوئة لنظام ولاية الفقيه الإيراني بتشجيع بيوتات اقليمية و دولية اخرى، الى أخرى . . في تشابك معقد لمصالح متنوعة يلعب فيها الإعلام و تطور انظمة الإتصالات ادواراً لا توصف. .
و لعبت فيها ادواراً واضحة اقسام كبيرة من الجماهير المضيّعة، التي تحدّدَ وعيُها بفعل توالي انواع الدكتاتوريات الدموية الحاكمة في المنطقة التي سقط قسم منها . . الجماهير التي صار يقودها غضبها و رغباتها المتعطشة للإنتقام، و ممارسة اقسام منها انواع الوحشية، كالوحشية اللانهائية التي عوملت بها حتى صارت و كأنها نمط تفكيرها و اعمالها هي بذاتها . . و وفق ما يشيره عليها من يمثّل ايمانها و معتقداتها الدينية و الغيبية و العائلية و نزعاته و ارتباطاته، و من ترى فيه الملجأ و المنقذ الأخير بعد ان فقدت بوصلتها لأسباب عديدة . . اضافة الى حقيقة درجة امانة من تؤمن بهم كممثلين لإرادة السماء . .
حتى تغيّر التناقض الجاري في المنطقة من صراع من اجل التقدم الإجتماعي و العدالة الإجتماعية، و صار و كأنه هو الصراع الدموي بين المسلمين و غير المسلمين، و بين السنّة و الشيعة . . الذي مهّدت له و اطّرته تبعات الحرب العراقية ـ الإيرانية، الدوائر الإيرانية الأكثر تطرفاً، الدوائر العسكرية و العنفية الأميركية، اضافة الى دوائر القرار الإقليمية المتنوعة الأكثر تطرفاً و عسكرةً . . . و على وقع خطى صراعات دوائر النفط و الطاقة و الاسواق التجارية.
و على ذلك يرى كثير من المتتبعين و السياسيين الى حدث تشارلي الذي هزّ فرنسا و اوروبا، بكونه جزء من الأزمة الدولية المخطط لها لإستيعاب الصراعات الإجتماعية و التناقضات الدولية و تسييرها على سكّة جديدة رُسم لها من يوم التداعي المؤسف للمنظومة الإشتراكية، حين بدأ الإعلام الغربي يضخّ بمفاهيم (الخطر الأخضر)، و (صراع الحضارات ) بدل تلاقيها و تفاعلها و تلاقحها من اجل خير و سعادة البشر . . وصولاً الى التنازلات الأميركية ـ الإيرانية المتبادلة للتفاهم من اجل المصالح الأكبر بعد ان تدمّر ماتدمّر . .
فليس صدفة مانقلته الـ سي ان ان و "واشنطن بوست" في 15 كانون الثاني للعام الجاري من
ان شريف كواشي، أحد مشاركي عملية باريس، قال أمام المحكمة عام 2007 بأن استعداده للذهاب إلى العراق والمخاطرة بالموت هناك جاء مما رآه من مشاهدة صور التعذيب التي كان يتعرض لها العراقيون على شاشات التلفزيون. اضافة الى اشارة أغلب دراسات مراكز الأبحاث الأميركية إلى أن الغزو الأميركي للعراق هو السبب الأبرز لتفشي ظاهرة الإرهاب في السنوات الأخيرة.
حيث خلقت تداعيات ذلك الغزو الإطار الاجتماعي والسياسي المؤلم الذي يجري في المنطقة بتخطيط، والذي تداخلت فيه محفزات الإرهاب، بإطلاق عنان الطائفية من خلال سماح واشنطن لإيران بمد نفوذها داخل العراق، ونتيجة لذلك دخلت ظاهرة الإرهاب مرحلة جديدة، هي مرحلة الإرهاب الذي يعتاش من الطائفية، في عهد إدارة بوش السابقة.
و على ذلك فإن سياسة إدارة أوباما الرامية الى انهاء تلك المخاطر على حد اعلانها، تواجه العديد من التساؤلات ففيما لايريد أوباما الذهاب عسكرياً أكثر من توجيه الضربات الجوية، كتدخلّ اقل مما سبق، فإنه يحلّ ذلك النقص باستخدام الميليشيات الشيعية على الأرض، بديلاً عن قوات أميركية، لمحاربة داعش كميليشيات سنّية . . ألا تدرك الإدارة بخبرائها ومستشاريها أن سياستها هذه تغذي الطائفية، وتغذي الإرهاب؟ و الا تدرك أن عملية باريس هي امتداد لما يحصل في العراق و سوريا ؟ بالنتيجة فإن العرب والمسلمين ليسوا لوحدهم المسؤولين عن الإرهاب كما تشيّع دوائر في الغرب، دون التحقق من تفاصيل المعضلات . .
رغم ان ردود الشارع الإسلامي في الغرب وهي في الغالب اخوانية، قاعدية وطالبانية، أكدت من جديد على إن غالبية المسلمين غير قادرة على الرد الحضاري لما يجري التحشيد له من إساءة مفترضة في الغرب، لأن القوانين المعمول بها فعلاً هناك تدين كل اساءة لشخص او هيئة او هوية بما يدخل في باب التشهير والقذف، أو التحريض على الكراهية والعنف. في وقت لم تخرج فيه اية مظاهرة في العالم الإسلامي لإدانة قتل 200 تلميذ مسلم باكستاني على ايدي طالبان، و لم تخرج اية مظاهرة وفي أي بلد اسلامي لإدانة خطف وسبي اكثر من 7000 امرأة أيزيدية واغتصاب الكثيرات وبيعهن كالرقيق، على سبيل المثال و غيرها الكثير.
اضافة الى ان تسلكات مهووسة لأفراد من الجاليات المسلمة جعلت نسبة واضحة من مواطني عدد من الدول الغربية تقلق من الوجود المسلم . في وضع يصحّ فيه القول إن من يسيئ للرسول والله والدين هم من يستخدمون واجهات الله ورسوله والاسلام لتنفيذ وتبرير جرائم القتل والتدمير والسبي وحرق الكنائس و المعابد و جوامع الآخر وقتل المدنيين و انتهاك الحرمات و الأخلاق . .
من جهة اخرى، و بتأثير احداث احتجاز ارهابييّن اثنين لمواطنين في متجر اطعمة يهودي في باريس، يحذّر سياسيون و مراقبون من ان هناك نشاط للإشاعة بأن هناك لا ساميّة جديدة في أوروبا وان أخطاراً تهدد اليهود، ففيما تنشر الصحف حث نتانياهو يهود فرنسا على الهجرة إلى إسرائيل، وأيّده كتّاب ليكوديون. كتب الحاخام مدير الجمعية اليهودية الأوروبية إلى وزراء الخارجية الأوروبيين يطالبهم بتسليح اليهود في بلادهم. و مع الإدانة المطلقة للاساميّة، و لكن لااحد يذكر جرائم حكومة نتانياهو و ضحاياها من الفلسطينيين العزّل .
و يتساءل كثيرون الا يعني ذلك و الكثير غيره الذي لايتسع له مكان في مقال . . الا يعني ذلك صحة وجود تلك المخططات الدولية و الإقليمية في منطقتنا، حيث يجري تنفيذها من جهات مختلفة بوعي او بغير وعي . . لتحقيق الأهداف المذكورة آنفاً ؟؟