تباينت آراء وردود فعل القوى السياسية حول تعديلات قانون الانتخابات، المشرع في عام 2005، والتي أقرت بشكل نهائي في يوم 6 كانون الأول. ولست هنا بصدد رصدها أو تحليلها، وإنما سأتوقف عند موقف حزبنا الشيوعي العراقي وقائمة "اتحاد الشعب" بالأساس، فهو ما يهمني في هذا لمقال.
أعتقد أنه من غير الصحيح المبالغة بمساوئ تعديلات قانون الانتخابات واعتبارها "تراجعا جوهريا عن الديمقراطية في بلادنا وتهديدا حقيقيا لمستقبلها" كما جاء في تصريح المكتب السياسي للحزب تعقيباً على التعديل الأول. وحسناً فعل المكتب المذكور في تعديل هذا الحكم في تصريحه تعليقاً على القرار الملحق بالتعديل في قوله: " لا يغير من الطابع المجحف واللا ديمقراطي للقانون". إن مثل هذه التدقيقات والتعديلات للأحكام والمواقف في زحمة العمل اليومي دليل حيوية لا غنى عنها في العمل السياسي.
وأعتقد كذلك أن التعديلات وبضمنها الأخيرة جعل القانون أكثر ديمقراطية في نواحي معينة من قانون 2005، وذلك بإقراره القوائم المفتوحة والمناطق المتعددة وإنصاف الأقليات. إن الثغرة الأساسية في التعديلات هي أنها، عند معالجتها لظاهرة التشرذم السياسي، لم تنصف الأحزاب والقوائم الصغيرة. وينبغي الإشارة إلى أن المبالغة في مساوئ القانون التي تنطلق من مصلحة آنية، لها مردودات سلبية إذ تغذي نزعة العزوف عن الانتخابات وتغذي النزعة الانعزالية. وهذا ما لا يريده كل الحريصين على تطوير العملية السياسية. كما تلحق هذه المبالغة أضراراً أشد عند النظر إلى مجمل العملية السياسية من خلال مساوئ القانون مما يؤدي إلى معارضة العملية السياسية برمتها وبدون طرح بديل واقعي في الأفق المنظور. وهكذا تحول بعض الكتاب من المجاملات السياسية غير الصحيحة إلى معارضة كل شيء! وكأن تعديلات قانون الانتخابات أجرى تغييراً نوعياً سلبياً في العملية السياسية.
إن معالجة التشرذم السياسي هو أمر ضروري ويخدم تطور العملية السياسية واستقرارها وتأخذ به الكثير من قوانين الانتخابات في البلدان الديمقراطية، وهذه الوجهة مدعومة دوليا، وقانوننا الحالي سيساعد على تحقيق ذلك. ولكن ما حصل عندنا هو المبالغة، أو بالأحرى استغلال هذه الوجهة الصحيحة من الكتل الكبيرة إلى درجة الإخلال بالعدالة وإيجاد ثغرة جدية في ديمقراطية القانون. وفي هذا الإطار كان تحفظ الحزب الشيوعي على تعديلات القانون في محله تماماً.
ففي قانون الانتخابات العراقي المعدل من الممكن لقائمة ما أن تجمع أصوات كثيرة على النطاق الوطني تعادل أو تزيد قيمة على أغلى مقعد في جميع المحافظات ولكنها تُحرم من دخول البرلمان لأنها قائمة وطنية حقاً، لا تعتمد على طائفة أو قومية أو عشيرة أو منطقة، كقائمة "اتحاد الشعب" أو حزب الأمة. فالمطلوب أن تكون هناك، إلى جانب الدوائر المتعددة، التي لها ميزتها الايجابية، مقاعد تعويضية لا تقل بأي حال من الأحوال عن 15% من مجموع مقاعد البرلمان، ومن الأفضل المطالبة بما يزيد عن ذلك، تمنح لمن يحصل على القاسم الانتخابي الوطني، وخلافه سيبقى القانون غير عادل ويعاني من ثغرة في ديمقراطيته. إن كبر حجم المقاعد التعويضية هنا لا يتعارض مع مصالح الكتل الكبيرة لأن القاسم الانتخابي الوطني يشملها، كما يشمل القوائم غير الكبيرة سواء بسواء. وما يتبقى من الأصوات ومن المقاعد التعويضية يمكن في هذه الحالة أن تذهب إلى القوائم الفائزة بحسب نسبة ما حصلت عليه من الأصوات، باعتبارها الأقرب إلى مزاج الجماهير. فليس من العدل منح الأصوات المتبقية للكيانات الخاسرة التي لم تتمكن من الوصول إلى القاسم الانتخابي الوطني، فقد يحصل أحد هذه الكيانات على مقعد بحوالي 11000 صوت ،كما حصل في الانتخابات السابقة، في حين لا يقل أرخص مقعد في المحافظات أو على النطاق الوطني، ضعف هذا الرقم أو أكثر. فأين العدالة في هذا؟
بناء على ما مر فإن المطالبة بتحقيق العدالة في قانون الانتخابات لم تكن صحيحة من خلال المطالبة بالدائرة الواحدة لأن الدوائر المتعددة أكثر ديمقراطية لتوفر إمكانية تعرف الناخب على الأشخاص المرشحين في محافظته بشكل أفضل ويمكن أن تكون المعرفة مباشرة. ولم تكن المطالبة بتوزيع بقية الأصوات على الخاسر الأكبر صحيحة لعدم عدالة ذلك، كما أسلفت. فالمطالبة غير الصحيحة لم تساعد على إقناع أقرب حلفائنا بعدالة مطالبنا.
إن المطالبة بتعديل قانون الانتخابات لكي يكون عادلا وأكثر ديمقراطية، ينبغي أن تكون مهمة نضالية برنامجية للقوائم والأحزاب الوطنية غير الكبيرة لإقناع الأحزاب والكتل الكبيرة، أو لانتزاع إقرارها بمختلف الوسائل الملائمة وفي الوقت الملائم، بعدالة المطالبة بزيادة المقاعد التعويضية وتخصيصها للقاسم الانتخابي الوطني. ففي الدنمارك مثلاً وهو بلد ديمقراطي مستقر منذ أمد طويل، يخصص قانونها الانتخابي حوالي ربع مقاعد البرلمان للتعويضية، ويحصل عليها من يحصل على ما لا يقل عن 2% من أصوات الناخبين على النطاق الوطني وهي تعادل ما لا يقل عن أربعة مقاعد، وتذهب بقية الأصوات والمقاعد إلى القوائم الفائزة بحسب نسبة ما حصلت عليه من الأصوات. فلا يوجد حزب أو ائتلاف في البرلمان الدنماركي، لديه أقل من أربعة مقاعد. وهناك أحزاب خرجت وعادت ومن ثم خرجت كالحزب الديمقراطي المسيحي، وخرج معه في آخر دورة حزب المركزية الديمقراطية. فالخروج من البرلمان لا يعني بأي حال من الأحوال عدم إمكانية العودة إليه، ولا تعني نهاية الديمقراطية.
والتأكيد على أن تعديل قانون الانتخابات هو مهمة نضالية ثابتة له ما يبرره، فأي تقليل من أهمية وجود حزب ما تحت قبة البرلمان له تداعيات سلبية كثيرة، لأن التداول السلمي للسلطة والذي تتبناه الأحزاب والقوى السياسية المنخرطة في العملية السياسية ليست قضية تكتيكية آنية وليس لهذا التداول طريق آخر غير البرلمان، وأن النضال من أجل المطالب الجماهيرية خارج البرلمان ينبغي أن يتحول إلى قرارات وقوانين تصدر من البرلمان أو تجد طريقها إلى فصول الميزانية. وليس في البرلمان مدافع أفضل من الذين يناضلون من أجل تلك المطالب.
لقد وُضعت الأحزاب والقوائم الوطنية الصغيرة أمام تحدي كبير بتعديلات قانون الانتخابات المجحفة بحقها، وما كان أمامها، لتجنب تهميشها، سوى قبول هذا التحدي، وقبول هذا التحدي ينبغي أن يثير حماس مناضليها للوصول إلى مقاعد البرلمان، أو تجاوز القاسم الانتخابي الوطني والوصول إلى أضعافه. وهذا الأخير وإن لم يتح لها دخول البرلمان ولكنه سيكون سلاحا قويا بيدها للنضال من أجل تعديل القانون، هذا فضلا عن أنه دليل على أن القائمة أو الحزب رقم هام، يمكن سلب حقه البرلماني بقانون مجحف ولكن لا يمكن عزله أو تهميشه ومن الأفضل للجميع أن يكون داخل البرلمان.
وبناء على ذلك فليس من الصحيح العزوف عن الانتخابات بحجة أن الصوت سيذهب إلى الكتل الكبيرة في المحافظات التي لا أمل في الفوز فيها، وهي لا تستحقها بأي حال من الأحوال. قد يذهب الصوت إلي الكتل الكبيرة، ولكنه سيكون في رصيد القائمة أو الحزب ونفوذه وسنداً سياسيا لهماً، وسيُثبت الحزب بالأرقام، وليس بالادعاءات، عدم عدالة القانون. فكل صوت مهم جداً أينما كان في العراق، وأكثر من أية انتخابات مضت، لقائمة "اتحاد الشعب".
كتب بتأريخ : السبت 12-12-2009
عدد القراء : 2536
عدد التعليقات : 0