إذا كان ما نُقل عنه صحيحا، فإن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال أمام مجلس النواب يوم الخميس الماضي كلاما جميلا. لكنْ.. في هذا الكلام الجميل عيبان رئيسان: الأول أنه جاء متأخرا للغاية، بعد خراب البصرة، والثاني أنه لا يتوافق مع سلوك المالكي «في إدارة الدولة» على مدى السنوات الأربع الماضية.
المالكي قال ما معناه أن السلوك الصبياني غير المسؤول للكتل السياسية النافذة والمتحكمة في البرلمان هو السبب الرئيس في بقاء الوضع الأمني في البلاد غير مستقر. وهذا كلام صحيح وسليم تماما، فالخلافات والمناكفات والمناكدات والحزازات بين هذه الكتل السياسية وزعمائها ومساعي كل منهم للإيقاع بالآخرين، هو ما يعرقل التشريعات المناسبة لتعزيز الأمن، وهو ما يوفّر جوا مثاليا للإرهابيين، من القاعدة وفلول نظام صدام والميليشيات والعصابات الحزبية المسلحة، لاختراق أجهزة الأمن والوضع الأمني كله.
هذا السلوك غير الوطني من السياسيين والجماعات السياسية النافذة ليس جديدا، فهو كان قائما قبل تولّي المالكي رئاسة الحكومة منذ نحو أربع سنوات، والمالكي وحزبه هما في الأساس من الشركاء في منظومة السلوك هذه بإسهاماتهما في قيام نظام المحاصصة الطائفية للحكم.
إذا كان السيد المالكي مؤمنا ومقتنعا بما قاله أمام مجلس النواب الخميس الماضي، فإنه كان يتعين عليه ألا يدّخره إلى الساعة الأخيرة من ولايته، وإلى أن تُضاف في حساب الضحايا مئات جديدة من القتلى والمصابين وعشرات من المنازل والمؤسسات المدمرة.. كان يتوجب عليه أن يقول ما قاله أخيرا، ويلحّ في قوله كل يوم، منذ سنتين على الأقل، فهو كرئيس للحكومة، الشخص الأول المسؤول عن توفير الأمن والسلم والاستقرار. كما أنه المسؤول الأول عن توفير الغذاء والكساء والصحة وسائر الخدمات للناس.. نعم هذا هو واجب رئيس الحكومة في النظام الديمقراطي، وهذه هي مهمته، فإذا أخفق فيهما، تعيّن عليه أن يستقيل متحملا مسؤولية الفشل، وتاركا الأمر لغيره.
كان يتعين على المالكي أيضا أن يقول كلامه للشعب علنا، وليس أمام جلسة برلمانية مغلقة فقط.. هل كان يخاف أن يخرج كلامه إلى الإرهابيين؟ لقد خرج بنصه الكامل، فالبرلمان الذي تحدث إليه حافل بممثلي الإرهابيين من القاعدة، وفلول نظام صدام، والميليشيات، والعصابات الحزبية المسلحة. وهذا بعض ما يعاب على أداء المالكي في الحكومة، فمن الواضح أنه يقود الحكومة، باعتبارها مؤسسة شخصية، وهذا ما لمّح إليه وزير الداخلية جواد البولاني في مقابلته مع وكالة الصحافة الفرنسية يوم الجمعة الفائت، عندما قال إن على رئيس الوزراء المقبل (الذي سيتولى الحكم بعد انتخابات مارس (آذار) المقبل) «أن يدير الحكومة من خلال مجلس الوزراء، وليس من خلال رئيس الوزراء».
المالكي وحزبه وتكتله السياسي كانوا هم أيضا ممن يتدخلون في شؤون أجهزة الأمن بدوافع سياسية وحزبية وطائفية.. والسيد المالكي لم يُظهر خلال سنوات حكمه الأربع أنه يتصرف كرئيس لحكومة العراق، وإنما كرئيس لحكومة حزب الدعوة أولا، والائتلاف الشيعي الطائفي ثانيا. وموقفه، هو وحزبه، من تشكيل هيئة المساءلة والعدالة الآن دليل جديد على هذا. فالمالكي وحزبه يرميان بكل ثقلهما لكي يترأس الهيئة السيد وليد الحلي، العضو القيادي في حزب الدعوة،
وفي المقابل تسعى الأحزاب الأخرى لخطف هذا المنصب.. السيد الحلي شخصية وطنية لا غبار عليها، وقد كان ممن عملوا بجد في شؤون حقوق الإنسان في العهد السابق، لكن هيئة المساءلة والعدالة يتعين أن يتولاها بالكامل (الرئيس والأعضاء) قضاة وقانونيون محترفون غير حزبيين.. لا يتعين إخضاع هذه الهيئة للمحاصصة الحزبية والطائفية. وكذا الحال بالنسبة إلى مفوضية الانتخابات وإلى أجهزة الأمن كلها (الجيش والشرطة والاستخبارات).
إذا أراد السيد المالكي أن يسمع كلاما مخلصا، ومفيدا، فعليه أن يصدّق ما نقوله له، وليس ما يقوله مستشاروه الانتهازيون. وما نقوله للسيد المالكي أن أداءه هو الذي سمح للكتل السياسية بالتدخل في الشؤون التي ما كان ينبغي أن تتدخل فيها.
أوان
كتب بتأريخ : الأحد 13-12-2009
عدد القراء : 2764
عدد التعليقات : 0