اثارت تصريحات السيد المالكي الأخيرة التي تتلخص بـ ( هذه الطبقة السياسية، وأنا منهم، ينبغي أن لا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً )، التصريحات التي اعتبرها البعض جريئة و البعض الآخر بكونها مفاجئة، و اعتبرها القسم الأكبر بأنها ليست مستغربة لأنهم يرون ان المالكي نجم هذا النوع من التصريحات التي تمتص نقمة ما لتؤسس لنقمة جديدة يمكن ان تكون اكبر.
تأتي هذه التصريحات بعد ان تجذّر الفساد و كوّن هياكل بشراء او ابتزاز، لعبت فيه الدور الأساسي الحكومات التي ترأسها المالكي، و تسبب بأكبر مأساة لشعبه بكل اطيافه منذ سقوط الدكتاتورية . . من ضرب مشاركي مطالبات ادانة الفساد و النهب و التظاهرات المطلبية الأولى، بالرصاص الحي في الشوارع و برابعة النهار، و بالإعتقالات و التعذيب و بالتعامل مع كل ملاحظة و مطلب بكونها غريبة عن الشيعة او عن العرب، حتى صارت ملاحقة الصحفيين و المثقفين و اعمال الإغتيال التي طالتهم و كأنها سياسة يومية في العهد الجديد . . كما نشرتها مواكبةُ الصحف و المواقع الإعلامية العراقية و الدولية المحايدة . .
و فيما يرى كثيرون في كلام السيد المالكي كثير من الصحة وان لم يذكر الحقيقة كلها، لأن كلامه يثير تساؤلات عن من هو الذي دفع بنا الى هذا المصير المجهول ولماذا؟ ومن الذي جاء بهذا العدد الكبير من المقربين منه ليضعهم في مراكز و واجهات الحكومة ؟ حيث يرون انه رغم الظروف الكثيرة التعقيد، و تحت لافتة بناء ( دولة القانون ) . . تكوّنت بقراراته القائمة على اساس ( اصحاب الثقة اهم من اصحاب الكفاءة )، تكوّنت مجاميع التفت على مؤسسات الدولة من سراق ومتسلقين، و مجاميع اخرى ممن أفرغوا خزائن العراق بسبب صفقات مشبوهة، ازيح عن قسم منها الستار بفعل فضائح انكشفت . .
و يرى سياسيون و خبيرون ان المالكي قد سار على سياسة ضرب الكتل احداها بالاخرى بقرارات اججت الطائفية اكثر في البلاد من جهة، و التعامل بشكل فظ مع حكومة اقليم كردستان، و الاهمال و الضرب بلا هوادة من موقعه كقائد عام للقوات المسلحة، تظاهرات اهالي الأنبار من جهة اخرى. الى ان اختلف علناً مع ابرز مكوّنات البيت الشيعي الذي هددت اجراءاته بتصدّعه، و وصل الى التصادم مع المرجعية العليا للسيد السيستاني، و الى دعواتها الى تفرغ رجال الدين للارشاد و الابتعاد عن المناصب الحكومية بسبب تزايد النقمة الشعبية على حكومات زادت الخراب خراباً و ضاع متنفذيها بمصالحهم الأنانية، حتى وصل الأمر بالمرجعية الى رفضها اللقاء به او بمبعوثيه . .
و يرى مراقبون انه فيما استلم اخطر موقع في الدولة، موقع رئيس مجلس الوزراء، فإنه اخذ يزيد ذلك الموقع خطورة و فردية، بسبب تكديس الصلاحيات العسكرية و الأمنية بيده فقط، و بسبب تمديد دورات المالكي اكثر من مرّة بدعم من جهة اقليمية . . في محاولة ليكون هو (السيد القائد العام) بعد ان افرغ المؤسسات الدستورية من محتواها و في مقدمتها الهيئات المستقلة التي جعلها عائدة لمكتبه، و داس على الدستور الذي صانها و حماها، و هو يلاحظ تزايد الغضب الشعبي عليه الذي فسّر السيد المالكي سببه بأن (الشعب مايحبنا)(1) في تناقض مع ادّعاءاته حتى الآن بكونه الأكثر جماهيرية و انه مختار العصر . .
و يلاحظ مراقبون دوليون ان المالكي لم يتخلىّ عن طموحه باستلام السلطة و عودته كالسابق، بحرصه على الظهور كالسابق، متخذاً لنفسه مسمى ( النائب الأول لرئيس الجمهورية )، رغم عدم وجود فارق بين النواب الثلاثة لرئيس البلاد، و لا يزال يرحب بزواره في نفس المكتب ذي الأرضية الرخامية داخل فيلا مظللة في قلب المنطقة الخضراء، و لايزال موكبه كالسابق مدججاً بالسيارات المسلحة المصفحة ذات الدفع الرباعي . . و يردد لمجالسيه بأنه استنادا إلى التأييد الشعبي القوي الذي يتمتع به سيعود كالسابق ؟؟ مشيرا إلى أنه يركّز على الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2018 من الآن ، و يرون ـ من بينهم خبيرو انتخابات ـ انه مهتم الى اقصى حد بالدعاية الإنتخابية لنفسه وسط الشوارع التي لاتزال ممتلئة بصوره المتروكة و الملصقات الداعية له هو . .
و يلاحظون بانه رغم قوله بانه حريص على نجاح حكومة السيد العبادي القائمة، الاّ انه في تصريحاته لايزال يزعم أن قرار ترشيح د. العبادي لرئاسة الحكومة في الصيف الماضي كان قرارا (غير قانوني) و انه يستحق ولاية ثالثة على حد وصفه. في وقت يبدو فيه انه نسى انه ذاته اخذ المقاليد من غيره لمرّتَين لحكمه . . الاولى من رفيقه السيد الجعفري رئيس الحزب وقتذاك و الثانية من السيد علاوي رئيس القائمة العراقية التي فازت في انتخابات 2009 .
و يصف مقربون من جهات حكومية و برلمانية ان محاولة المالكي الحضور، كاستقباله مقاتلين من ميليشيات شيعية في الحشد الشعبي الباسل، ممن شاركوا بطرد تنظيم داعش الإجرامي من حول تكريت قبيل تحريرها، كما لو كان لا يزال في منصبه السابق، حين قال ( انهم يشعرون بالولاء له . . لأنه اسس تلك الميليشيات عندما كان في السلطة، و ان علاقته بهم وثيقة للغاية، و هم مخلصون له، وبالتالي انه ما زال يعمل معهم و يؤيدهم و يشجعهم على القتال )، اضافة الى محاولاته الحضور امام الكاميرا في الأحداث العراقية الملتهبة . .
يصفونه بكونه تحديا مستمرا للسيد العبادي الذي يحاول استعادة الأراضي المحتلة ورأب الصدع مع السنة والأكراد. و يلاحظون و كأن المالكي يمارس قدرا من النفوذ على أعضاء برلمانيين و على متنفذين في الأجهزة الأمنية بالدولة على حد تصريحاته، فيما يشكك كثيرون في مدى ذلك النفوذ، معتبرين أن فرصته في العودة إلى صدارة الأحداث باتت ضئيلة للغاية (2).
و يتساءل كثيرون لماذا هذه التصريحات الذكية للسيد المالكي الآن و الشعب العراقي يعيش فرحة بدئه بتحقيق انتصارات على داعش و تحرير تكريت بتلاحم قواه الباسلة بين الجيش و قوات الحشد الشعبي و البيشمركة، و العودة الى تلاحمه الشعبي سنّة و شيعة و اديان، عرباً و كرداً و قوميات . . هل هي مراهنة على قوة مسلحة ما ممن اسسها كما مرّ قوله ؟؟ بعد فشل جهوده في تزعّم قوات الحشد الشعبي، و مواجهة السيد العبادي صعوبات على طريق وحدتها رغم اجتيازه لها ؟؟
ام بسبب اقتراب التحقيق منه في قضية الموصل ؟ ام بسبب كثرة الدعاوي عليه في المحاكم ؟؟
و ان كان يريد السير على اصلاح ما، لمَ لمْ يبدأ باصلاح حزبه حتى صار الحزب يبدأ بتجاهله ؟؟ (3) ولماذا يعترض باصرار على الإصلاحات التي يطرحها زعماء كتل التحالف الوطني من التيار الصدري و من المجلس الاعلى الإسلامي، المطالبة باصلاح التحالف و حل مسألة رئاسته ؟
10 / 4 / 2015 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اي لايحبنا باللهجة العراقية .
2. خدمة واشنطن بوست ـ خاص الشرق الأوسط، 1/ 4 / 2015 .
3. راجع وكالات الانباء عن تجاهل حزب الدعوة لرئيسه المالكي في الحفل التأبيني السنوي الذي يقيمه للشهيد الصدر، و توقعاتها كونها مقدمة لتنحيته من القيادة. ايلاف ، 10/4 / 2015 .