فيما سلكت دكتاتورية صدام سلوكاً معادياً و وحشياً تجاه كل المكونات العراقية على مذبح الولاء للدكتاتور كما بحث و نشر عديدون و بالوثائق الدامغة . . فإنها سقطت ليس على ايدي مكوّن ما بمفرده بل بحرب خارجية بقيادة الولايات المتحدة بالتوافق مع الدوائر الإيرانية، و اطاحت بعرشه الدموي و اتت بمعارضة النظام التي تحدّت الدكتاتورية و ناضلت و قدمت آيات التضحيات باختلاف الوان طيفها، و على اختلاف الظروف .
اتت بمعارضة الدكتاتورية على اساس نظام المكوّنات التحاصصي و فتحت بذلك الباب على حكم الطوائف على تلك السكّة، الأمر الذي تلقّته الجماهير الشعبية بتساؤلات و ريبة، خفف منها صدور الدستور بصياغاته العامة و التوجه لإقامة البرلمان على اساس التصويت و الانتخابات التي واجهت طعون متنوعة دولية و اقليمية، الأمر الذي ادىّ الى نشوء كتل متنفذة تستقوي بدول الجوار على اساس طائفي، في زمان نشطت فيه منظمة القاعدة الارهابية الطائفية السنيّة و عمّقت الاختلاف الطائفي الى صراع طائفي دموي ارهابي سنيّ ـ شيعي راح فيه عشرات آلاف الابرياء ضحايا له، و تشكلت في مواجهته اعداد من الميليشيات الشيعية التي لم تتورّع من استخدام الارهاب .
و لم تستطع انواع القوى المسلحة و الميليشيات الشيعية طرد و هزيمة القاعدة الاّ بعد تشكيل مجالس الصحوات بدعم القوات الاميركية من العشائر السنية في غرب و وسط العراق، التي استطاعت بدعم القوات الاميركية و الحكومة العراقية لها بالمال و السلاح و التدريب ان توقع خسائر كبيرة بوحدات القاعدة ادّت الى هزيمتها و هروبها من غرب و وسط العراق، اضافة الى ما حققته مجالس الصحوات من استتباب للامن و من الاقتراب اكثر الى الحكومة التي كان يرأسها المالكي.
و يشير عدد كبير من المراقبين و المتخصصين العراقيين و الدوليين الى ان الإنسحاب غير المتأني للقوات الأميركية من البلاد و الطموح الفردي الطائفي الضيّق، ادىّ الى تمركز سلطات عسكرية لا محدودة بيد رئيس الوزراء المالكي الذي عمد ضمن ما عمد، الى حلّ مجالس الصحوات و الى اتخاذ قرارات بتجريدها من المال و السلاح بدعوى انتفاء الحاجة اليها، و ادى الامر ليس الى اهمال و عدم توظيف نشطائها فحسب، بل الى ملاحقة ناشطي الصحوات و رميهم في السجون او اخذ افراد من عوائلهم رهائن، الأمر الذي اوقع عشرات آلاف ناشطي الصحوات في محن حقيقية و خلافات و ثارات عشائرية، اضافة الى مطاردات الاجهزة الحكومية لهم عشوائياً و رمي الآلاف من الأهالي هناك في السجون.
و يشير قسم من محللين محايدين الى ان من اسباب سلوك السيد المالكي ذلك هو تطيّره من مخاطر عودة البعث الصدامي اذا اقرّ بالحقوق المشروعة لأبناء السنّة كمكوّن عراقي اصيل كأنما البعث هو السنّه و السنّه هي البعث، و يشير آخرون الى انه و المحيطين به لم يستطيعوا التخلص من ثقافة حكم المكوّن الواحد و الحزب الواحد و عدم تقبّل الآخر، التي حكمت بها دكتاتورية صدام التي انهارت قبل اكثر من اثني عشر عاماً . .
الأمر الذي ادىّ الى عودة القاعدة في تلك المناطق و الى الاعلان عن داعش الارهابية الوحشية، التي تمددت بشكل سريع مستغلة اهمال حكومة المالكي لمطالب ابناء العشائر العربية السنية في غرب و وسط و شمال البلاد، و مستغلة تعاملها الدموي مع تجمعات المطالبات التي وصلت ذروة مواجهتها بالعنف في منطقة الحويجة . . . في وقت لم ينجح فيه رئيس الوزراء السابق المالكي في اعداد قوات عسكرية كفوءة تواجه تلك الأخطار، بل بالعكس هربت تاركة اسلحتها المتطورة لداعش الاجرامية التي استطاعت احتلال مايقارب ثلث البلاد، ونزلت بأهاليها على اختلاف قومياتهم و اديانهم وطوائفهم ـ سنية و شيعية ـ قتلاً همجياً بقطع و عرض الرؤوس و بالحرق احياءً و بالرمي من الابنية الشاهقة علناً ، اضافة الى انواع الإغراءات لمن ينتمي لها من اهالي تلك المناطق، كسعي لضمان سيطرتها الدائمة هناك .
ان التصاعد السريع لهيمنة و اخطار داعش عراقياً و اقليمياً و دولياً ادى الى تشكيل التحالف الدولي من 40 دولة الذي قام بالتصدي لداعش من الجو و قام و يقوم باسناد القوات العراقية بالخبراء و الاسلحة و التدريب ، من جانبها اعلنت الحكومة العراقية عن تشكيل " الحشد الشعبي" في اطارها اثر فتوى المرجعية العليا في النجف بالجهاد الكفائي، و توجهت لتشكيل " قوات الحرس الوطني " التي تواجه تشكيلها مصاعب برلمانية و ميليشياتية في سعي لهيمنة طائفة بعينها على عموم البلاد بتشجيع و تحريض دوائر ايرانية . .
و رغم انواع الصعوبات استطاعت القوات العراقية الامنية و الحشد الشعبي و البيشمركة ان تحقق انتصارات كبيرة على داعش في الوسط و مناطق الغرب و الشمال كان اكبرها تحرير تكريت الاّ انها تواجه و خاصة في الغرب مخاطر الارتداد بسبب عدم نجاح الحكومة باستقطاب اهالي تلك المناطق الذين يشكّلون الضامن الاساسي لعدم عودة داعش . . للاسباب المارة الذكر.
و اليوم و فيما تتهيأ القوات العراقية بدعم التحالف الدولي لتحرير الانبار و الموصل، فإنها تواجه الاهمية القصوى لكسب اهالي المحافظتين و عشائرها السنيّة المذهب بالتسليح و التمويل و التدريب العاجل . . الذي يطرح المسألة الملحة بالتعجيل بتشكيل الحرس الوطني هناك ضمن اطار القوات الحكومية، الذي يشكّل التباطؤ في انجازه، اساساً لأنواع المشاريع (*) الرامية الى تسريع ذلك لتحقيق النصر على داعش بتقديرها ، بتخطي الحكومة الاتحادية مهما حمل ذلك من اخطار تقسيم البلاد كمشروع السناتور الاميركي "مارك ثورنبيري" الداعي الى تسليح سنة وأكراد العراق من دون المرور بالحكومة الإتحادية . . بعد ان قطع التقسيم على اساس طائفي مراحل خطيرة من قتل و تهجير و سبي و تغيير ديموغرافي على الهوية الطائفية بتقدير جهات دولية و اقليمية نافذة . .
فيما ترى اوسع الاوساط العراقية مواجهة ذلك بالعودة الى تفعيل الروح الوطنية القائمة على اساس التساوي بالانتماء للهوية الوطنية الواحدة، رفض التمييز الطائفي و السير العملي الجاد و السريع على طريق المصالحة الوطنية و تعويض المتضررين و عودة النازحين الى ديارهم
و العمل بتوجيهات المرجعية العليا لآية الله السيستاني الداعية بالحاح الى الحوار و رصّ الصفّ الوطني العراقي بتلبية حاجات مكوّناته و بالمساواة في الحقوق و الواجبات و تفويت الفرصة على مشاريع تقسيم البلاد، و ان لاتكون قوة مسلحة خارج قوة الدولة و ان تكون الاحزاب السياسية في مظلة جامعة للتفاهم، كي لاتتشتت و تصبح فرائس للتدخل الاجنبي . . لإسقاط اي مبرر للتدخل الخارجي في شؤون سلامة و وحدة البلاد الاتحادية !!
5 / 5 / 2015 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) و من المشاريع المطروحة كبدائل رغم مضاعفاتها : استقدام قوات برية عربية او الالحاح على مجئ قوات برية اميركية استناداً الى امتلاكها تجربة سابقة، على حد تلك المشاريع .