استقالت وزيرة الدولة لشؤون المرأة يوم الخميس الماضي احتجاجاً على "ضعف الموارد" المخصصة لوزارتها، وعلى "محدودية الصلاحيات" التي تتمتع بها، والتي لا تتناسب واحتياجات المرأة العراقية، قائلة، في بيان إعلان استقالتها، إن وزارتها لا تعدو كونها "مكتباً استشارياً داخل المنطقة الخضراء ليست له أية صلاحيات".
ومن المعلوم أن وزارة الدولة لشؤون المرأة واحدة من عشر وزارات من هذا النمط استُحدثت كحل جرى اللجوء اليه عند تشكيل الحكومة وفقاً للمحاصصات الطائفية والاثنية.
ومن الملفت للأنظار أن الاستقالة تأتي يوم إعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات، حيث التباسات "الكوتا" والتمثيل الهزيل للنساء في مجالس المحافظات، وغياب قضية المرأة في برامج معظم القوى السياسية، إذ اختفت هذه القضية الأساسية في ظل طغيان التعبئة السياسية على القضية الاجتماعية، وسعي القوى الرئيسية لكسب أكبر عدد من المقاعد في إطار احتدام الصراع السياسي.
وفي سياق دلالات هذه الاستقالة من الوزارة "الهامشية"، التي يفترض أنها تعنى بمصائر النصف الأعظم من السكان، يلاحظ المرء أنه لم يظهر رد فعل من الحكومة على الاستقالة أو تفاعل مع هذا الحدث الهام، أو حتى تعليق من جانب الجهات المعنية، وبينها منظمات نسائية وناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، الأمر الذي يتسم، هو الآخر، بدلالات معينة.
ومن بين ما أكدت عليه الوزيرة المستقيلة ما وصفته بالعجز عن مواجهة "جيش الأرامل"، وهو ما يضيء واحدة من المآسي التي يعاني منها مجتمعنا متمثلة بالاستهانة بقضية الأرامل. والحق إن هذه الاستهانة مرتبطة بسياسة الاقصاء والتهميش، ومحاصرة دور النساء وتغييب إرادتهن وإسكات أصواتهن، انسجاماً مع العقلية الذكورية المتحكمة بالمصائر السياسية والاجتماعية للنساء والثقافة البطرياركية المهيمنة في مجتمعنا.
وليس من الغريب أنه في سياق الفوضى وانعدام التخطيط تغيب الاحصائيات عن الأرامل، اللواتي لا يقل عددهن، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، عن ثلاثة ملايين، بينهن ما يقرب من نصف مليون في العاصمة وحدها.
غير أن من كان يراهن على "المحررين" في حل هذه المعضلة، سرعان ما اكتشف أوهامه، إذ رأى بأم العين كيف أن "التحرير" المزعوم أدى، من بين فواجع أخرى، الى انضمام أفواج جديدة الى جيش الأرامل. وليست تلك سوى واحدة من "بركات" من ألقت وعودهم ببلادنا في جحيم المحن.
لكن ما يثير المزيد من الأسى والاحباط أن حكومات المحاصصات، المنشغلة، على الدوام، بقضايا توصف بأنها "أعظم"، أخفقت في إنقاذ الملايين من المعوزين، وبينهم الأرامل، نتيجة غياب السياسات المدروسة والمسؤولة، والمؤسسات الفاعلة، والبرامج والاجراءات العملية. وليس من دون دلالة أن يوجه مسؤولون النقد الى الحكومة التي تزيد ميزانيتها على الستين مليار دولار، وهي تعجز عن حل معضلة الأرامل اللواتي لا تفعل الاعانات سوى إيصالهن الى حدود خط الفقر، فيما تشح فرص العمل المناسب لهن والمراكز الاجتماعية التي ترعاهن، وتتعاظم العواقب السايكولوجية لمحنتهن وآثارها الوخيمة على أطفالهن.
وإذا ما وضعنا الحقائق المروعة عن الأرامل جانباً، فان الواقع المأساوي لوزارة الدولة لشؤون المرأة يكفي، وحده، لفضح حقيقة الاستهانة بقضية النساء.
ومن نافل القول إن مشكلة الأرامل جزء من مشكلة أشمل تجسدها الأزمات التي يعاني منها الملايين على صعد مختلفة ويتطلعون، بل ويكافحون من أجل حلها. ولا ريب أن حل مأساة الأرامل يبدأ بالدراسة الجادة من جانب الحكومة، اعتماداً على أخصائيين كفوءين ومؤسسات ومنظمات ذات علاقة، وإقرار البرلمان تشريعات يضمن تطبيقها العملي إعادة دمج الأرامل في المجتمع، وتوفير سبل التأهيل وفرص العمل، والاعانات الكافية، وضمانات الحياة الكريمة التي تلبى فيها حقوق وحاجات الأرامل والأيتام.
* * *
بوجود ملايين من مسلوبات الارادة، المغيَّبات، المنسيّات، واليائسات، يبقى الحديث عن تقدم و"انتصارات" مجرد ضرب من الأوهام والأضاليل.
إن قضية اجتماعية كبرى مثل قضية النساء، ومعاناة الأرامل جزء خطير منها، لا يمكن أن تقتصر في معالجتها على حلول ما تزال تتسم بكونها "ترقيعية"، وذات طبيعة مؤقتة.
لابد من التخلي، قبل كل شيء، عن هذا العقل الذي "يسيِّس" القضية الاجتماعية ويختزلها الى مجرد معونات مالية، على أهمية وضرورة هذه المعونات التي تسهم في حل جزء من المشكلة.
ينبغي إخراج هذه القضية من دهاليز المحاصصات والمساومات ذات الطابع السياسي أو الخطاب الايديولوجي، واستخدامها في الكسب الضيق. فهي قضية تهم الملايين من النساء، بل وترتبط، على نحو لا ينفصم، بوجهة التطور الاجتماعي، وبناء الدولة المدنية الحديثة، القادرة على حماية حقوق النساء، وتوفير الفرص المتكافئة في العمل والضمانات الاجتماعية وسائر الحريات والحقوق.
ولا ريب أن على النساء أنفسهن، وبينهن جيش الأرامل، أن يأخذن قضيتهن بأيديهن. وهذه مهمة تقع، بالدرجة الأساسية، على عاتق الحكومة والبرلمان والمؤسسات المعنية، وبينها مجالس المحافظات، فضلاً عن منظمات النساء وجماعات المجتمع المدني المدافعة عن حقوقهن. ومن الطبيعي القول إنه بدون مناصرة القوى السياسية المتنورة وإسهامها في هذا التيارالاجتماعي لا يمكن أن تصل هذه القضية الى غايتها.
كتب بتأريخ : الثلاثاء 10-02-2009
عدد القراء : 2916
عدد التعليقات : 0