بعد انتظار و بعد قرارات المرجعية العليا للسيد السيستاني بنأي رجال الدين بانفسهم عن المناصب الحكومية، و تحديداً منذ تظاهرات ربيع 2011 التي طالبت بالإصلاح و التي واجهتها حكومة المالكي بالرصاص الحي في رابعة النهار و تساقط اثرها عشرات الشهداء و طورد و سيق مئات الشباب و الشابات الى المعتقلات.
و اثر تراكم المشكلات و تفاقمها الكبير الذي ادىّ الى زيادة الفقراء فقراً و الأغنياء غنى بالنهب و الإختلاس و الفساد الإداري و الرقص على القوانين . . ظهرت مشكلات شملت الشعب بكل فئاته و طبقاته بانقطاع الكهرباء و تقطّع الماء الصالح للشرب، حين ازداد عجز الميزانية الحكومية حتى عن دفع رواتب عمالها و موظفيها بسبب الإرهاب و الحرب على داعش الإرهابية المجرمة و الفساد في صفقات السلاح، و بالتالي انخفاض اسعار النفط الذي يشكّل المدخول الأساسي للميزانية بعد عجز البلاد الزراعي الصناعي . .
و بعد ان بقيت شكاوي و اعتراضات المواطنين في الادراج دون حلول . . انفجرت التظاهرات في البصرة محتجة على اداراتها و مجالسها المحلية، و اصطدمت بقوات الشرطة التي استدعيت لإيقافها مستخدمة الرصاص الحي الذي ادى الى سقوط الشاب البصري منتظر شهيداً، الذي صار نداءً الى المحافظات الأخرى للتظاهر، و ادى الى هجوم المتظاهرين على مجلس المحافظة بالحجارة.
فبدأت المظاهرات تتجمع في بغداد عند نصب الحرية في ساحة التحرير، رغم قطع الطرقات المحيطة لمسافات طويلة، اضافة الى قطع جسر الجمهورية الموصل الرئيس من الكرخ الى الرصافة في تلك المنطقة، لتشكّل مظاهرة عملاقة قدّر مشاركوها بما قارب ثلث المليون، غالبيتهم الساحقة شباب و بمشاركة نسائية فاعلة للمرة الأولى بهذا الحجم، مظاهرة عملاقة لعبت و تلعب فيها مواقع التواصل الإجتماعي الدور الأكبر.
و قد طغت عليها المطالب الشعبية ـ لا السياسية ـ بمحاربة الفساد، تقديم المتهمين الكبار الى العدالة، دولة المواطنة لا الدولة الدينية، اصلاح القضاء، و غيرها المطالبة بالديمقراطية الإجتماعية . . و برزت فيها شعارات : "حشد يحارب داعش و حشد يحارب الفساد"، "باسم الدين باكونا* الحرامية"، منددة بالمتهمين الكبار بالفساد من رئيس الوزراء السابق المالكي، و نواب رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء الحاليين و مسؤول ملف القضاء القاضي مدحت المحمود . . و قد حصلت على دعم المرجعية العليا للسيد السيستاني بعد ندائها الى رئيس الوزراء السيد العبادي بالمباشرة الفعلية بالإصلاح على اساس الكفاءة و النزاهة، و عدم التقيّد بنظام المحاصصة الطائفي الأصم.
و على اثر تواصلها و مطالبتها بالكف عن الوعود و بالمباشرة بالأجراءات التنفيذية العاجلة اتخذ رئيس الوزراء الخطوة الأولى بالغاء مناصب نواب الرئيس و نواب رئيس مجلس الوزراء و البرلمان و الغاء حماياتهم و مخصصاتهم الفلكية، الذين شكّل اغلبهم وفق اوسع الآراء، الصخور الصم امام تقدم مسيرة البلاد و اعمالهم الرامية الى عدم اجراء التحقيقات بقضايا النهب و الفساد . . الخطوة التي وجدت صدى ايجابياً كبيراً بين جموع المشاركين في المظاهرات رجالاً و نساء، التي صارت تعم البلاد من اقصاها الى اقصاها مطالبة بالسير على هذا الطريق للاصلاح الحقيقي في البلاد و تعميقه، و في حالة تعذّر الموافقة على الإجراءات من البرلمان، دعوا الى حل البرلمان و الى التصويت عليها من الجموع الشعبية المليونية المشاركة في المظاهرات التي تملأ البلاد . .
و فيما يُلاحظ نضوج و بروز دور الشعب و تحديّه للنفاق السياسي الديني و الطائفي على صخرة واقع الحياة القاسية اكثر من السابق، التي صار يعيشها الشعب بعد انهيار الدكتاتورية، و صار الحديث يجري عن كيفية تنظيم طاقات الجماهير، في وقت صار الكلام فيه يجري على المكشوف بين الكتل الحاكمة و بين افراد كل كتلة فيما بينهم . . و صارت وجوه حكومية تحاول المشاركة في التظاهرات، حتى صار المتهمون بالإسم و بكل صلف و نفاق يظهرون اقصى حماسهم للاصلاح ؟؟ في محاولات لإختراق التظاهرات و تجييرها لهم و لمواقفهم الكاذبة . .
يؤكد سياسيون و مراقبون بارزون على ان مطالب الجماهير واضحة وصريحة وموحدة، اضافة لسلميّتها وعدم قدرة أي طرف على حرف مسارها و هدفها سواء كان المشاركون فيها علمانيين أو متدينين أو غيرهم، و ان الفساد ليس خيالاً و انما هو شخصيات وحكومات وتوجهات ومسؤوليات معروفة لجميع الأطراف، وبالتالي فإن الإجراءات لا بد أن تكون واضحة ومحددة ولا لبس فيها، خاصة و ان الجماهير صارت توجه الاتهام بكل صراحة إلى الطبقة الحاكمة نفسها . .
و ان الإصلاح لايمكن اختزاله بتغيير مسؤول او مسؤولين محددين فقط ، و انما لابد ان يشمل تغيير النظام السياسي الطائفي كله، لأنه باجمعه و طيلة 12 عاماً هو المتهم، و بالتالي فإن الحكومات التي توالت وفق هذا النظام الطائفي التحاصصي تتحمل جميعها المسؤولية، رغم تحمّل الحكومات السابقة الجزء الأكبر من الفشل.
و فيما يؤكد كثيرون على ان المطلوب الآن، هو التنفيذ الفوري للمطالبات بمحاسبة كبار الفاسدين و تقديمهم للتحقيق و العدالة و معاقبة من تثبت عليه الإتهامات، و التوفير العاجل للكهرباء و ايجاد حلول للبطالة . . التي تشكّل اكبر ضربة لداعش الإجرامية المحتلة !!
يرى خبيرون ان الإصلاح المطلوب تنفيذه، لايمكن ان يكون عاصفاً و بضربة واحدة تخلط الأخضر و اليابس و انما وفق خطة مدروسة، لأن الحكم تشكّل على اساس التوافق بين كتل، و ان تكون خطة تتناول تغيير مبدأ المحاصصة الطائفية العرقية كركن لبناء الحكم، و اعادة كتابة الدستور و اقرار قوانين الاحزاب و الصحافة و اعادة صياغة مؤسسات الحكم التنفيذية و التشريعية و القضائية، و الضمان الحقيقي لإستقلالية الهيئات المستقلة.
و يضيف آخرون بأنه ينبغي ان لايُنسى ان السيد رئيس الوزراء الذي يقوم بالإصلاح هو قيادي في الحزب الحاكم و لا يزال يخضع لسياساته و برامجه التي لم تتغيّر، و ان القوى التي تقاوم الإصلاح لاتزال نافذة و مدعومة سواء من داخل حزب رئيس الوزراء او من داخل الكتلة الشيعية الحاكمة ( التحالف الوطني) التي يرى مراقبون ان مكوناتها ليست موحدة و يمكن ان يتكون اصطفاف جديد فيها يدعم اجراءات السيد العبادي و بالأخص من التيار الصدري و المجلس الأعلى الإسلامي و آخرون . . و لكن بأية اجراءات و ادوات و الى اي حد ستجري و البلد مقيّد بتحديات خطيرة من داعش و من الميليشيات غير المنضبطة ؟؟ تبقى اسئلة مفتوحة . .
10 / 8 / 2015 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• اي نهبونا .