لآشكّ ان الإحتجاجات الشبابية السلمية قد خلقت اجواء ايجابية متعددة سواءً بتعبيرها عن وحدة الشعب بقومياته و اديانه و طوائفه، او عن وجود وعي متطوّر لطلائع الشعب و التزامها بالقانون و بسلمية التظاهرات، من قبل المتظاهرين و من قبل القوات الأمنية، و طموحها في سلوك الطريق المناسب في ظروف البلاد، لتحقيق مطالبها الفعلية الملموسة في المعاناة و الألم، و ليس التنفيس فقط عن التوتر و الآلام التي يسببها لها نظام حكم المحاصصة الطائفي الجامد.
ان التباطئ و عدم التنفيذ الفوري لحزم الأصلاح التي اقرّها مجلس الوزراء و اعلنها رئيسه السيد العبادي، بل و جرى تثبيت المسؤولين الذين تدينهم الإحتجاجات كما جرى في تثبيت وزير الكهرباء في مكانه في جلسة سريّة مغلقة للبرلمان، و تثبيت اعضاء مجلس القضاء و رئيسه الأوحد الأعلى المحمود في جلسة مغلقة سريّة ايضاً، و تُبذلُ جهود متنوعة لحماية المتهمين الكبار من المسائلة و التحقيق، بتوفير حصانات لهم ، كالمالكي في قضية الموصل تحديداً . .
بل حتى رئاسة الجمهورية للأسف لم تتخذ اجراءات عملية اصولية بإنهاء اعمال نواب الرئيس الذين اعلن د. العبادي عن الغاء مناصبهم بالطرق الدستورية بموافقة اجماعية من مجلس الوزراء و البرلمان، ولايزالون يمارسون نفس اعمالهم، بحجج متنوعة تصبّ بالأخير في ان السيد رئيس الجمهورية ينتظر جواب القضاء بشأن استفساره عن (دستورية) اقالة نوابه ، كما تتناقل وكالات انباء متنوعة .
و يرى مراقبون ان التباطئ في تطبيق القرارات او عدم الأخذ بها، جعل الكتل المتنفذة الحاكمة تسرع للتنازل المتبادل و للتفاهم فيما بينها للخروج بنتائج لاتتضرر منها الكتل الحاكمة او كتلة بعينها، حتى صار البرلمان و كأنه هو المدافع عن الفساد في غمرة دفاعه عن نظام المحاصصة الطائفية و العرقية . .
و عبّر عددٌ من ابرز وجوه و منسقي المظاهرات، بأن وضع البرلمان صار مؤلماً للمتظاهرين، لأنه بدأ يتخذ قرارات وإجراءات تمثل صدمة حقيقية لهم، فكلّما تطالب الملايين بالإصلاحات، يتحجج البرلمان بالدستور حتى صار الدستور و كأنه أبرز المعوقات أمام بناء دولة مدنية ودولة مؤسسات وقضاء حقيقي نزيه. و فيما انتظروا ان يكون البرلمان صوتاً للشعب او مسانداً له في مظاهراته، صار البرلمان يقف بالضد من إجراءات الحكومة التي بدأت تستجيب لنداء الشعب، و صارت الحكومة تصطدم في ذلك بممثلي الشعب داخل قبة البرلمان، وهو ما يعني أن ممثلي الشعب هم في الحقيقة ممثلو أحزاب وكتل وشخصيات حاكمة وليس الشعب، و يمكن ان يحوّلوا السيد العبادي إلى متهم لبدئه بالإصلاحات التي تنادي بها الملايين .
في اجواء تتضامن فيها غالبية الكتل الحاكمة مع بعضها في مقاومة الإصلاح، خوفاً من ضياع اموالها و مواقعها، و يتكشّف فيها بأن الفساد ينخر بجميعها، و ان حجمه يتوقف على كبر السلطة التي بيد كتلة ما و حجم الأموال التي تمرّ بها سواء كانت اموالاً سياسية او دينية او سوداء، بتقدير خبراء و متخصصين غير منحازين.
و فيما تنادي اوساط واسعة على السيد العبادي بالخروج من حزب الدعوة الحاكم خلال دورته الرئاسية على الأقل، اذ كيف سيقوم بإصلاح ناجح و هو في الموقع القيادي البارز في حزبه الحاكم الذي تسبب بدرجة بارزة بالفساد ؟. . ليكون اكثر تحرراً من قيود تعيق جهوده في الإصلاح في وقت يحصل فيه على اوسع تأييد شعبي من كل الأوساط، و تطرح اخرى أهمية ان يشكّل طاقماً مُختاراً يساعده اكثر في عملية الإصلاح الكثيرة التعقيد و التشابك و ان يتزعم كتلة من حزبه تتفق و تتوافق مع وجهته و وجهة المرجعية العليا و تستجيب لمطالب الجماهير المتصاعدة بالإصلاح، كما حدث مرّات و مرّات في حزب الدعوة الإسلامية.
يتحرّك السيد العبادي مدعوماً بوزراء حكومته الذين شمل عدد منهم الإصلاح، و بمجلس مكافحة الفساد الذي شكّله قبل ايام، الاّ انه مدعومٌ من المرجعية العليا للسيد السيستاني و تيارها و من التيار الصدري و مؤيّداً من التيارات و الكتل المدنية و الديمقراطية و منظمات المجتمع المدني و اوسع الجماهير الشعبية التي تطالب بأن يكون الاصلاح اكثر ديناميكية لتحقيق مطالب تُلمس نتائجها السريعة على حياتهم و خاصة في قضيتي الإرهاب و الخبز، لإنعدام الثقة بالكتل الحاكمة.
في وقت تزداد فيه الخطوط الحمر التي تضعها دوائر ايرانية علناً، بدون مسوّغات او توضيحات كافية لها، بل بتهديدات من مسؤولي كتل في الحشد الشعبي كما حدث في دفاع السادة العامري و المهندس، ثم العاني (1) عن القضاء، بإسم استقلالية القضاء و احتمالية ان تكون المطالبات تحمل دفاعاً عن المجرم صدام حسين . . دون الإهتمام بمطالب المرجعية العليا للسيد السيستاني و مطالب رئيس مجلس الوزراء و الجماهير المليونية .
و دون الإنتباه الى ان القاضي الأعلى المحمود كان رئيس مجلس شورى الدولة و احد المقرّبين من الدكتاتور صاحب المقولات القانونية جداً من (القانون هو ورقة يوقعها صدام حسين)، الى ان (الحزبي الجيّد (2) هو من يحمل شهادة حقوق في جيب و مسدس في الجيب الآخر)، و تعيّن في موقعه من قبل بريمر سئ الصيت و وفق قوانينه، و اعتمد عليه السيد المالكي في صياغة و ترتيبِ قراراته قانونياً، و استمرّ في موقعه في زمن شروع الفساد بالتضخّم دون اي توقّف من السيد القاضي على محطات خطيرة منه لايتسع المجال هنا في تعدادها . . الا يثير ذلك و حال البلاد بهذه الصورة المؤلمة، الا يثير ذلك انواع التساؤلات عن مدى صدقيّته في الدفاع عن القانون ؟ و ترى اوساط واسعة ان ذلك يتطلّب على الأقل توضيحاً في مُسائلة جادة و ليست استعراضية علنية !!
و على ماتقدّم، يرى مراقبون ضرورة الحفاظ على استمرارية مناخ تصعيد الضغط الجماهيري المنظم المتواصل ، الذي بدونه لاتتحقق المطالب الشعبية العادلة، و التي لايؤدي السكوت عن المطالبة بها الاّ الى تراكمها اكثر لتصل الى انفجارات شعبية لا تبقي و لاتذر و لايمكن تعقيلها و يخسر فيها الجميع اكثر و اكثر ، من جهة.
و من جهة اخرى، لأنه المناخ الذي يوفّر لرئيس الوزراء الفرص المناسبة لتطبيق اجراءات مكافحة الفساد بإجراءات تنفيذية فعلية مؤثرة اكثر، تلمس الجماهير نتائجها بتحسّن اوضاعها في الجانب المعني، كالدور السريع لمكافحة الفساد في زيادة الروح القتالية للقوات العسكرية المشتركة و تحقيقها انتصارات اكبر على داعش، على سبيل المثال.
و انه في حال عدم استمرار الضغط الجماهيري، يمكن ان يغيّر قسم من الذين اضطروا لدعم وتأييد الإصلاحات او اضطروّا لتبيان مواقفهم بتأييدها، ويبدأون بمعارضتها. في وقت تنشط فيه مجاميع و كيانات مخرّبة، تحاول شقّ التظاهرات او افتعال صراعات و صدامات و باشرت بمحاولات لإغتيال و اختطاف ناشطين . . مؤكدين على الأهمية القصوى للاحتفاظ بالطابع السلمي للإحتجاجات من اجل كسب اوسع الاوساط و لتمتين العلاقات مع القوات الأمنية، التي اثبتت و تثبت حرصها.
3 / 9 / 2015 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ـ ظافر العاني عن اتحاد القوى العراقية الذي اشتهر بمهاجمته المتواصلة للقضاء و المحمود.
2. ـ المقصود، البعثي الصدامي .