بعدما شارك افراد قسم منها في النضال ضد الدكتاتورية، تقبّلت اوساط شعبية تشكيل الميليشيات المسلحة بداية كإحدى وسائل مواجهة سلوكيات خاطئة لجنود الإحتلال، ثم احدى وسائل مواجهة المنظمات الإرهابية التابعة لفلول الدكتاتورية و للقاعدة و قاعدة الرافدين للزرقاوي و بالتالي لمواجهة داعش . .
الاّ ان الميليشيات المسلحة ذهبت بعيداً في اعمال النهب و القتل على الهوية المذهبية و الدينية و اثارت على اختلاف انتماءاتها، الطائفية في البلاد . . حتى بلغ الصراع الطائفي حداً لا مثيل له طيلة تأريخ البلاد، من ناحية اخرى فإن صراعاتها المسلحة الدامية فيما بينها و بسبب انشقاقاتها، و الصدامات بين الميليشيات الرافعة لنفس الراية الطائفية . . و حتى تحوّلت البلاد الى صراع ميليشيات و عصابات، على النفوذ و النهب و الزعامة . .
و قد اتسعت الميليشيات و ازدادت كمّاً و نوعاً بدرجات خطيرة اثر الدعم المالي و العسكري لأنظمة دول الجوار، و تسببت بإجراءاتها اللاقانونية باعتقال عشرات آلاف المواطنين بتهم كيدية و انتقامية، بدلالة اطلاق سراح عشرات الآلاف الذين بلغ عددهم المئة الف منهم مؤخراً، لعدم ثبوت ادلة تدينهم، وفق مصادر الأخبار المحلية و الحكومية و الإقليمية. و يرى مراقبون بأن الميليشيات ساهمت و تساهم مساهمة خطيرة في سياسة كمّ الأفواه تجاه اي معارض للسلوكيات المشينة لعدد من المسؤولين، و ارجعت بالتالي الواقع العراقي لما هو اسوء من عهد الدكتاتورية.
و يرى محللون ان الميليشيات الطائفية بعد ان لعبت دوراً رئيسياً في تحويل الاختلاف المذهبي الى صراعات مسلّحة على تلك الاسس و قسّمت البلاد و العباد، صارت الميليشيات و كأنما هي الذراع المسلح الداخلي للفساد، و ادخلت البلاد في نفق مظلم ينطفئ اي ضوء يلوح في الافق فيه . . بعد ان صارت تفرض و تهدد بفرض و تنحية اكبر المسؤولين في الدولة و مؤسساتها، علماً بانها ليست تحت طائلة القوانين الدستورية للدولة و لاتخضع لها، بل تسير وفق فتاوى مراجعها الدينية او اوامر من مراجع من خارج البلاد . . و صارت تفاقم المشاكل و تهدد كردستان العراق ايضاً بإثارتها الصراع القومي الشوفيني الذي تحاول تعميقه براياتها الطائفية، بتحويله الى صراع مضاعف طائفي قومي بغيض، اضافة الى دخولها على الصراعات الإقليمية الكردية ـ الكردية . .
و رغم قرارات متعددة صدرت من المرجعية العليا للسيد السيستاني و لرئيس مجلس الوزراء، بمنع الميليشيات من التواجد في مناطق و مناطق، و بحصر السلاح بيد الدولة، الاّ انها لاتستجيب بل ازدادت نشاطاتها و سلوكياتها المشينة، لعدم وجود قوانين تمنعها بالقوة او توجيهات تمنعها عن ذلك من مراجعها، و بوجود دعم لها من كبار متنفذين في الحكم و منهم النائب السابق لرئيس الجمهورية المالكي و كتلته في دعم قسم من المتشيعة منها، ويدّعي افراد منها بكونهم لايخضعون لفتاوي السيد السيستاني لأنهم عائدين لمرجعية الولي الفقيه الإيراني السيد خامنئي فقط، في حالة لاتفسير دستوري لها، وفق قانونيين.
و يرى متخصصون ان تواجد الميليشيات الطائفية بالشكل آنف الذكر و اعمالها، هي السبب الأساسي و المباشر في تكوّن و نشوء انواع العصابات الخطرة التي تمارس الخطف و اعمال الإغتيالات الطائفية و السياسية، و التي تتحرّك و تنشط بأسلحة اوتوماتيكية حديثة متنوعة و بسيارات رباعية الدفع متطورة ، و بأنواع الملابس و الهويات العسكرية . . التي لاتستطيع ايقافها حتى الوحدات الأمنية و العسكرية ان شهدت اعمالها.
و فيما تتصاعد الاحتجاجات الشعبية و تصعّد مطالبها بالتغيير الدستوري و اجراء انتخابات مبكرة عاجلة لعدم كفاءة القائمين على الحكم و مؤسساته، و اخرى صارت تهدد باللجوء الى العنف بعد ان بلغ السيل الزبى بسبب الارهاب و التهجير و الفقر و الإفلاس . . تلعب الميليشيات ادواراً خطيرة في محاولة تحويل الصراع الجاري ضد الفساد و ضد الإرهاب، و كأنه صراع بين الحكومة و القوى المدنية بحجج واهية كـ (الدفاع عن الأخلاق) و المحرمات، وضد السفور و فرض الحجاب، و كأنها تهيئ الارضية امام داعش . .
في وقت يحذّر فيه مراقبون من مخاطر الميليشيات المسلحة و اعمالها التخريبية و اللصوصية و فتنها الطائفية، بعد ان بلغت حداًّ شكّلت فيه ركناً هاماً من اركان عدم الإستقرار و الإرهاب في المنطقة لنشاطاتها التي تجاوزت حتى الحدود الجغرافية للبلاد ـ و نفوذ اخرى متنوعة اليها من خارجها ـ . .
و يرون انه فيما تشكّل الحشد الشعبي تلبية لفتوى المرجعية العليا للسيد السيستاني لمحاربة داعش الوحشية الإجرامية، دخلت الميليشيات فيه و ادخلته في دوّامة تكتلاتها من جهة و في محاولة جعله عائداً الى دوائر عسكرية ايرانية من جهة اخرى . .
و في الوقت الذي يشكّل فيه الحشد الشعبي و متطوعوه الأبطال ما يعوّض عن الميليشيات التي ذهب بعضها لمواجهة داعش، و كونه ـ الحشد ـ باقٍ الى موعد حلّه و تنسيب رجاله الى القوات المسلحة الحكومية بعدئذ ـ و وفقاً لفتاوي المرجعية العليا للسيد السيستاني ـ ، و خاصة بعد ان اثبت الجيش و القوات الأمنية، الحشد الشعبي، رجال العشائر المحلية و المناطقية كفاءة عالية في دحر داعش في الفترة الأخيرة، وفق ابرز المراقبين و المحللين العسكريين .
و وفقاً لما تقدّم و غيره، تزداد المطالبات بحل الميليشيات الطائفية المتنوعة و البدء بمنعها في الأماكن و المدن التي تسببت و تسبب مشاكل فيها، و تنسيب الصالحين من افرادها الى الجيش و القوات الأمنية . . اضافة الى المطالبات بتنفيذ قرارات حصر السلاح بيد الدولة و تنفيذ ذلك وفقاً للقوانين السارية و فتوى المرجعية و وفقاً لدستور البلاد بعد اجراء التعديلات الضرورية عليه .