نجحت الحركة الاحتجاجية المستمرة، في كشف زيف وعود وبرامج الكتل السياسية المتنفذة، ووضعها في موقف حرج أمام جمهورها وعامة الناس.. وهو موقف لا يحسدون عليه.
هذه القوى التي اغتنت، وحققت المكاسب الشخصية على حساب الشعب، لا مفر لها اليوم من مواجهة الواقع المر، الذي وصل اليه العراق بفضل سياساتهم غير الحكيمة.
صوت الشعب في ساحات الاحتجاج احرج الفاسدين وحاصرهم. فدعواتهم المنافقة للإصلاح لم تعد تنطلي على عقلاء الناس. وجدلهم هذه الأيام بشأن حكومة التكنوقراط يبدو عقيما وغير منتج، ولا يفضي إلى حلول تواجه الأزمة بجدية، بل هو مجرد محاولات لتدوير البضاعة ذاتها بصيغة محاصصاتية جديدة، وهو ما لن يقبله المحتجون الذين هم صوت الشعب وصداه، والذين يضعون إلغاء المحاصصة الطائفية والاثنية على رأس مطالبهم.
حركة الاحتجاج هي أكثر وعياً مما يتصور المتنفذون. فالمحاصصة التي هي المعضلة وسبب كل هذا الخراب والبلاء، لن تكون بابا لحل أزمة الحكم، مهما لُطفت أو عُدلت، وفق ما تكشفه أوراق وبيانات المتنفذين.
لقد أمتدت المحاصصة لتصل إلى كل مفاصل الدولة، وصارت بسببها كل مؤسسة رسمية إقطاعية خاصة بالمسؤول.. هذا يعين أخاه وأبنه، وذاك يهب منصباً زوجته او قريبته.. مناصب لمن هب ودب دون النظر في كفاءة ومؤهلات المعّينين، حتى أن مؤسسات بأكملها صارت تدار من قبل عوائل !
لقد فضحت حركة الاحتجاج الفاسدين والمفسدين على مختلف تلاوينهم، وفضحت كل أشكال وأنواع الفساد. وذلك ما تظهره الفضائح اليومية لنهب المال العام، التي يكشفها الإعلام الشجاع، أو ما يعلن عنه بعض السياسيين بسبب اختلافاتهم وصراعاتهم على المغانم، من خلال تبادلهم الاتهامات.. فأصبح الكل يتهم الكل بالفساد، والكل يعلن امتلاكه أدلة على فساد الكل، والكل .. يحتفظون بالملفات !
تقول التجربة التاريخية ان التغيير يبدأ حينما لا يعود الناس يقبلون العيش في ظل طريقة الحكم السابقة، في حين لا يستطيع الحكام انتهاج طريقة أخرى في الحكم. وهذا ما يحصل اليوم، فالشعب الذي نهبوا خيراته، وسرقوا أمواله، لم يعد يقبل بطريقة الحكم التي أوهنت البلد وأفقرت الشعب، حتى تصاعدت نسب الفقر إلى أكثر من 30 في المئة، مع انتشار الامراض والاوبئة والامية وغياب الخدمات.
يظهر الارتباك جليا عند المتنفذين.. فلا احد يقتنع بجديتهم في إصلاح الأوضاع، التي لا يمكن إصلاحها عبر أوراقهم، وهي لا تخرج عن إعادة تدوير المناصب في ما بينهم..
لقد فقدوا صدقيتهم، وانكشف زيف برامجهم.. فماذا بقي لهم؟!
ان الحل ممكن بالتغيير الواعي لمتطلبات الواقع.. لا بصيغة جديدة من المحاصصة، وإعادة انتاج رموزها.
نعم، التغيير هو منهج حركة الاحتجاج ، والمحاصصة هي منهج المتنفذين.