نجحت حركة الاحتجاج في تغيير وجهة الصراع، الذي ظل لسنوات صراع محاصصة بين المتنفذين، صراعا محموما على المال والنفوذ، حتى انهم كانوا يضعون سعرا لكل منصب من كل مناصب الدولة، استنادا الى عدد من النقاط وعلى وفق ميزانية كل منصب. بعد ذلك الصراع الذي اضعف البلد ومكن الإرهاب من احتلال ثلث العراق، وجعل يد الفساد تطال كل مرافق الدولة والمجتمع، جاءت الحركة الاحتجاجية لتحوله الى صراع الشعب العراقي ضد المتنفذين والفاسدين.
لقد وصلت أزمة النظام السياسي إلى درجة حرجة جدا، وكان لا بد من جهد غير عادي وعقل قادر على طرح حلول استثنائية ملموسة لحلها. فالوضع القائم لا يمكن له ان يستمر بالطريقة المعتمدة في إدارة الحكم، والمواطنون لم يعودوا يقبلون العيش في ظل تلك الطريقة المنتجة لسياسة التقشف، التي راحت تثقل كواهلهم فيما لم تتم محاسبة أحد من كبار الفاسدين الذين نهبوا موارد البلد وبددوا ثرواته. وبرهن نهج المحاصصة المتبع في إدارة البلاد على فشله التام، حتى لم يعد ممكنا لأي طريقة او منهج او مساومة ان تعيد اليه الروح.
ويتوهم من يراهن على المناورات غير المجدية للخروج من الازمة او لمجرد تنفيسها، في حين لا يقف الوقت محايدا، ولا يوجد متسع منه لتدارك التداعيات الخطيرة المرتقبة. واذا لم يتم الاقدام بشجاعة على تبني حلول ناجعة للازمة التي استفحلت، ووصلت حد محاصرة فقراء المواطنين في لقمة عيشهم، فان الانفجار قادم لا محال.
وفيما وصلت الأزمة ذروتها، وصارت تهدد بالانفجار، يبقى الصراع قائما بين منهجين. الأول هو المتمسك بالمحاصصة الطائفية والاثنية، وأصحابه يحاولون الحفاظ على حصصهم في السلطة والنفوذ، فيسعون الى حلول في اطار المحاصصة. اما المنهج الاخر فيدرك مخاطر اللعب على ورقة المحاصصة، ويزداد يقينا من انها هي لب الأزمة وأساسها، وان كل حل لا يغادر منهجها انما يبقيها مفتوحة لتحرق الأخضر واليابس.
لقد اختارت حركة الاحتجاج المشروع الوطني الرامي الى تغيير بنية العملية السياسية، وتحويلها من منهج المحاصصة الذي بني النظام السياسي على أساسه منذ التغيير في بداية عام 2003، الى مبدأ المواطنة. وجاء هذا بعد دراسة واعية ومسؤولة ومدركة للمخاطر، تنطلق من حقيقة ان اي تباطؤ او تلكؤ في عملية الإصلاح، هو لعب بمصير الشعب وتبديد لفرصة استثنائية لإنقاذ العراق من مخاطر لا تحمد عقباها.
لأجل ذلك تواصل حركة الاحتجاج أنشطتها. وهي اذ تصعّد خطابها، وترفع وتيرة أداءها، وتنوع أساليب ضغطها، فإنما تدق جرس الإنذار وتنبه إلى فداحة المخاطر، وهي التي لم توفر وسيلة لإيصال استنتاجاتها وتصوراتها في شأن الأزمة والحلول الممكنة الا واستخدمتها.
واجزم ان المتنفذين يدركون أن حركة الاحتجاج ازدادت قوة وعظمت تأثيرا بانضمام قطاعات شعبية إليها، وهذا ما يقض مضاجعهم ويشل قدراتهم، ويحصرهم في زاوية ضيقة. وهم الذين يعلمون جيداً اي مصير ينتظرهم جزاء تطاولهم على المال العام، وتبديدهم ثروات العراق، وسرقتهم قوت الشعب.