حين عبرنا الجسر
اللحظة التي صافح فيها المتظاهرون القوات الأمنية في مدخل جسر الجمهورية، بهدف عبوره في اتجاه المنطقة الخضراء، بعد إزالة الأسلاك الشائكة من طريقهم، رسمت شكلا جديدا للكفاح السلمي، عبر صورة زاخرة بالإصرار على رفع أسلوب التعبير عن مطالب المتظاهرين، الى جانب التظاهر في ساحة التحرير في بغداد ومراكز المحافظات الأخرى.
عبر الآلاف من المحتجين صباح يوم 18 آذار 2016 جسر الجمهورية، نحو الأمكنة المخصصة سلفا للاعتصام، رغم القرار الحكومي بعدم السماح بالاعتصام، واتخاذ إجراءات أمنية مكثفة لمنع قيام الاعتصام، وصل الأمر فيها الى ما يشبه منع التجول، حيث قطعت أوصال بغداد بنقاط أمنية لا تسمح بمرور المركبات.
غاب عن بال صاحب القرار، المزاج العام للمواطنين الرافض للسياسات التي أوصلت البلد الى درجة من الحراجة، لا يحتمل فيها المواطنون اي منع للتعبير عن الرأي بالطريقة السلمية التي يرونها مناسبة.
لقد وصل عدم الرضا والرفض والسخط مداه، إزاء صمت المتنفذين وعجزهم عن إيجاد إجابات ملموسة مقنعة للمطالب التي ظل يرفعها المحتجون لمدة زادت على ثمانية اشهر، دون ان تلقى اذنا صاغية. ولو كانت السلطات قد استجابت لمطالب المتظاهرين الذين بقوا يرفعونها طوال الأشهر الفائتة، لما وصل الاحتجاج الى مرحلة الاعتصام.
كما غاب عن بال صاحب القرار ان القوات الامنية غير مستعدة لقمع المحرومين من ابناء الوطن، وهي لم تلبس الزي الرسمي لمنع مواطن يعبر عن رأيه سلميا بعد ان ضاق به الحال. وحسنا فعلت القوات الامنية بفسح المجال امام المحتجين كي يعبروا الجسور، التي طالما سدت بوجههم وبولغ في وضع تحصينات تمنع عدم اقترابهم من المنطقة الخضراء. فيما أظهر المحتجون إلتزاماً شديداً بسلمية الاحتجاج والتعاون مع القوات الامنية وهي تقوم بواجبات حفظ الأمن.
انتظم المعتصمون في الأماكن المحددة بطريقة حضارية سلمية، عبرت عن رقي الشعب العراقي ورقي المحتجين الذين يحملون مطالب عادلة ومحقة، عبروا عنها في مظهر جميل شديد الانضباط، مسجلين بذلك لحظة تاريخية فارقة يدونها التاريخ السياسي في صفحة ناصعة.
رغم ما يملأ قلوب المحتجين من الغضب والقهر والضيم ازاء سياسات المحاصصة وانعكاسها على المواطن، وهشاشة الوضع الامني، والتدهور في المعيشة والخدمات، فقد حافظ المعتصمون على الممتلكات العامة والخاصة والارواح، وحرصوا على الظهور بمظهر حضاري راقي.
فالاعتصام الى جانب كونه اسلوب كفاح سلمياً حرص منظموه على نجاحه لتحقيق مطالب الشعب العراقي، هو ملتقى حوار سياسي وثقافي كبير.