اذا كنا نصفُ المرحلة التي وصلت إليها الازمة الشاملة المخيمة على البلاد، قبل أيام، بالمعقدة والخطرة والمتشابكة والمستفحلة والعميقة، فماذا ياترى نسميها الآن بعد دخول الإعتصامات يومها الرابع عشر، وبعد إسهام السيد مقتدى الصدر في الاعتصام، غداة مفاجأته الجميع بدخول المنطقة الخضراء؟
صحيح ان السيد الصدر أكد في كلمته للمعتصمين على سلمية الاعتصام، وعلى عدم دخولهم المنطقة الخضراء والانضباط والالتزام في البقاء في أماكنهم، لكن خطوته المذكورة كانت تصعيدا في أساليب الاحتجاج. وهذا التصعيد ما كان ليحصل لو ان رئيس الوزراء تواصل مع حركة الاحتجاج التي انطلقت قبل 8 أشهر، وتصاعدت اعداد المساهمين فيها بشكل كبير جدا بعد انضمام التيار الصدري اليها، مع محافظتها على سلميتها، وتمسكها بمطالبها الرئيسة: إصلاح النظام ومحاربة الفساد وتوفير الأمن وتأمين الخدمات.
ان من يتابع مزاج المعتصمين والمتظاهرين يلحظ إصرارهم على مواصلة الاحتجاج، ورغبتهم في تصعيده، مقابل عدم الاستجابة لمطالب حركتهم السلمية، فيما المزاج العام لبقية المواطنين يتسم بعدم الرضا والسخط والغضب على المتنفذين، الذين استأثروا بموارد الدولة ومنافعها على حساب توفير الأمن والخدمات والاستقرار، وعلى حساب توفير احتياجاته الأساسية. في حين يتمدد خط الفقر بعد فشل السياسات الاقتصادية، التي تجلى احد مظاهرها في الأزمة المالية المتفاقمة بفعل انخفاض اسعار النفط.
ويبدو ان السلطات بعيدة عن معرفة هذا المزاج الشعبي، وكأن أجهزتها في عزلة تامة عن الشعب ومعاناته، متوهمة ان حركة الاحتجاج محصورة فقط في هذه الآلاف المعتصمة عند ابواب المنطقة الخضراء، مثلما توهمت سابقا ان التظاهرات مقتصرة على عدد معين من المدنيين المسالمين، غير مدركة ان اليأس من سياسات المحاصصة صار يتملك نفوس ملايين العراقيين، وها انه يتحول الى فعل احتجاجي في اتجاه حسم شكل ومحتوى التغيير المنشود.
وبدلا من ان يستثمر رئيس الوزراء هذا الزخم الكبير للحراك، ويقدم على إجراء إصلاح حقيقي، نراه متلكئا مترددا، كمن لا حول له ولا قوة. وغدا يظهر كالمغلوب على امره، خاضعا الى ضغوط المتنفذين، منصاعا لهم، وغير مكترث بالمطالبات الشعبية بالاصلاح. وها هو في خطابه امس الاول الثلاثاء، يرمي الكرة في ملعب مجلس النواب، هاربا من الدور المناط به، متصورا ان هذه الخطوة تعفيه من مسؤوليته الاساسية.
الظاهر ان ضغوط المتنفذين ورموز المحاصصحة والفساد على رئيس الوزراء، ابلغ وقعا من ضغوط حركة الاحتجاج. لذا يبدو انه اختار التسويف وتبديد الوقت. وقد يكون لا يدرك ان عامل الوقت في هذه المعادلة ليس محايدا، وان على من لا يقدر الوقت ويحتسب له ويستفيد منه، ان يدفع الضريبة.
وفي حساب الشعب قد تكون الضريبة كبيرة جدا، بل وباهظة.