أزمة جديدة وقعت فيها السلطتان التنفيذية والتشريعية، عندما سلم رئيس الوزراء المظروف المغلق الى رئيس مجلس النواب. ازمة تضيف الى ازمات النظام السياسي عمقا جديدة وتعقيدا اخر، ما دامت المحاصصة الطائفية والاثنية باقية وتتمدد.
وفي الحقيقة لم يكن المظروف مُغلقا كما أراد رئيس الوزراء ان يوهمنا، حيث تسربت أسماء الوزراء المرشحين في نفس الدقيقة، التي كان فيها يلقي كلمته من منصة مجلس النواب. ووزعت السير الذاتية للمرشحين للكابينة الوزارية الجديدة على اللجان النيابية حسب التخصص لتقييمها.
ويبدو ان اللجان رفضت اغلب الترشيحات، وان مهلة الايام العشرة ستنقضي دون المصادقة على الأسماء، كما هو المتوقع. وهناك من صرح «أن مهلة العشرة أيام المحددة للتصويت على الكابينة الجديدة غير مقدسة ويمكن تجاوزها».
والمتوقع ان عشرة أيام إضافية لن تحسم الجدل. سيما بعد انشغال الوسط السياسي في وضع تعريفات للتكنوقراط! حيث صار هذا المفهوم مادة جديدة للاختلاف، مثلما كانت مفاهيم «التغيير الكلي»، و»التغيير الجزئي»، و»التغيير الجوهري»، و»التغيير الشكلي» مصدر خلاف وتجاذب وجدل عقيم. كذلك لا اتوقع ان يحسم امر الدرجات الخاصة في غضون شهر كما تعهد مجلس النواب، ما دام سحر المحاصصة هو المتحكم في العملية السياسية.
لم نراهن على تصويت البرلمان يوم 31 آذار، فهو لم يكن اكثر من تصويت على إعلان نية التغيير، والنية تغيرها المصالح، كما انه (التصويت) لم يكن على التغيير تحديدا. وسيجد مجلس النواب اعذارا شتى للتراجع عن التصويت، كما سبق ان تراجع من تصويته على الاصلاح.
لا نعتقد ان معالجة ازمة النظام وايجاد مخرج منها ممكنان عبر تغيير شكلي في الكابينة الوزارية. لكن لو تمت تسمية وزراء اكفاء، نزيهين، ذوي قدرات قيادية، ويحسنون فن الادارة، وشجعان لا يخضعون لارادة المتنفذين، لأمكن فتح ثغرة في جدار المحاصصة البغيض، والتقدم خطوة في الطريق الطويل نحو التغيير المنشود.
والتغيير الذي نسعى إليه هو ترسيخ مبدأ المواطنة وقيمها في بنية النظام. وهو ما لن يتم والفاسدون طلقاء، لم يحاكموا، ولم تسترجع منهم الاموال العامة التي نهبوها. فلا تغيير من دون محاكمات علنية لمن وردت اسماؤهم في فضيحة (اونا اويل) ومثيلاتها. ولا تغيير من دون ارادة ثابتة لمحاربة الفساد الذي هو ابرز مخرجات نظام المحاصصة.
نعم، لا تغيير وملفات الفساد الكبرى مسكوت عنها. ملفات سقوط الموصل، ومجزرة سبايكر، وجهاز كشف المتفجرات المزيف، وصفقة الاسلحة الروسية، والحسابات الختامية، والابنية المدرسية، وبغداد عاصمة الثقافة .. وغيره الكثير.
التغيير لن يعني شيئا للمواطن اذا لم يتلمس تحسنا في توفير الامن والاستقرار، وتحسنا وتطورا في الخدمات: الكهرباء، الماء، المجاري، الصحة، التعليم، الضمان الاجتماعي، التقاعد الذي يحفظ الكرامة.
والتغيير الذي نطمح اليه ونسعى، هو مغادرة منهج المحاصصة الطائفية، واعادة بناء النظام السياسي على اسس المواطنة، وفتح ملفات الفساد، واجراء اصلاح اقتصادي، واتخاذ خطوات ملموسة في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية.
ثمانية اشهر من الاحتجاجات المتواصلة عجزت عن ان تحرك ساكنا في مجلس النواب. فهل يمكن ان تهزه الايام العشرة للمهلة المعلنة؟