عجزت المنظومة الامنية عن حفظ دماء فقراء العراق من بطش تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) وجرائمه المدانة.
فقبل ان نستيقظ على هول تفجير سوق عريبة الذي يعد اكثر الاسواق الشعبية فقرا، حيث تشكل الارامل والايتام اكبر نسبة من الباعة فيه، بينما جل المتبضعين فيه من المعوزين والاكثر بؤسا في مدنية الفقر والكدح والعطاء.. وقبل ان نستوعب الصدمة الفاجعة، روعتنا التفجيرات في الكاظمية وحي العدل.
قدم فقراء العراق دماء كان ينبغي للقوات الامنية السهر على حفظها. لكن من اين لمنظومة شيّدت على اساس المحاصصة، ان تستوعب الدرس وتتخذ احتياطات لحماية امن العراقيين؟
وفي سياق الصدمات والفواجع حدثت التفجيرات الاجرامية في سوق ساحة 55 في مدينة الصدر، وسوق 4000 في حي الشعب. وعلى "رنـّة" هذا الانفلات لا يستبعد ان تقع خروقات امنية اخرى، ان لم يتم اتخاذ اجراءات جذرية صارمة تضع حدا لهذا العجز الذي يميز أداء السلطات الامنية، وعدم قيامها بواجبها في ردع قوى الارهاب وتوفير الامن بالشكل الصحيح.
لن نستغرب حدوث اختراقات امنية اخرى، كما لا نستغرب وقوف المتنفذين متفرجين على دماء الابرياء، من دون فعل يناسب كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب العراقي. هؤلاء المتنفذون الذين صدعوا الرؤوس باداناتهم دخول المحتجين الى المنطقة الخضراء واعتباره "اعتداء" و"انتهاكا"، وبنعتهم المعتصمين والمتظاهرين السلميين بابشع النعوت، بينما كان يتوجب عليهم الاستماع الى مطالبهم، وهم يخوضون كفاحا سلميا متواصلا هدفه اصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة، التي هي اساس احتلال الفاشلين وغير الكفوئين مناصب الدولة، ومنها المناصب الامنية التي يجب ان يتم اختيار من تسند اليهم على وفق معايير دقيقة لا مساومة فيها، مثل روح المواطنة والمهنية والخبرة والشجاعة.
وليست التفجيرات الاخيرة وحدها ما كشف عن عمق ازمة النظام وعجزه عن اداء المهمات التي اوكلت اليه. فالازمة التي باتت جلية لكل عين مبصرة، والتي يكمن اساسها في المحاصصة والفساد، تتجلى في اشكال عديدة منها صعوبة عقد اجتماع لمجلس الوزراء بنصاب كامل، واستحالة عقد جلسة للبرلمان وهو منشطر الى مجلسين يطعن كل منهما بجلسات الآخر وقراراته. فالاول اقال الرئاسة، والثاني صوت على تعديل حكومي، فيما المحكمة الاتحادية تقف حائرة وهي تنظر الى صراع المحاصصة والنفوذ بشكله الحالي. ويبدو ان ليس من السهل اصدار حكم بشكل سريع.
ترى هل ينهض مجلس النواب بمسؤولياته، خصوصا بعد بلوغ الازمة حدا اصبح فيه سفح الدماء البريئة ضريبة يقدمها شعبنا كل يوم؟
ويبقى غريبا وغير مقبول مطلقا ان يتحول الدم مادة جديدة لصراع المتنفذين وعنوانا اضافيا لتنافسهم السياسي.