لنتفق جدلا ان رئيس الوزراء كان على حق وهو يقول في خطابه الذي القاه منتصف الليل في ٢٠ ايار ٢٠١٦، بان هناك مندسين اخترقوا تظاهرة اليوم نفسه (الجمعة).
وقتها بدا الرئيس كمن يمتلك معلومات دقيقة عن المتظاهرين. والمنطق يقول ان مصدر معلوماته هو الاجهزة الامنية والاستخباراتية والمخابراتية للدولة. وهذا بذاته خبر سار جدا، لانه يكشف قدرة هذه الاجهزة في جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وايصالها سريعا الى صاحب القرار - خلال سويعات فقط من وقوع الحدث. وهذا يحصل لاول مرة، ولنا ان نسجل لها السبق في ذلك، فهي اجهزة دولتنا اولا واخيرا.
لكن المؤسف ان هذه الاجهزة لم تشر في معلوماتها الى حجم هؤلاء المندسين، نسبة الى اعداد المتظاهرين. ثم ان الحكومة سكتت كل هـذه الايام عن اعلان امر هؤلاء المندسين، ولم تتخذ بحقهم اية اجراءات تمنعهم من تكرار الاندساس في المظاهرات القادمة، وتحمي المتظاهرين من شرورهم.
وقبل هذا وذاك: لماذا تفتقد الاجهزة المذكورة المعلومات عن الاختراقات الامنية والارهابيين الذين ينفذونها، وعمن سهل لهم تفجير سوق عريبة وسوق الـ ٤٠٠٠ وبقية الاسواق والمواقع التي استباحتها داعش؟ هل ان المتظاهرين وناشطي الاحتجاجات اخطر على امن الدولة من داعش؟ ام ان ضحايا التفجيرات التي تقترفها داعش لا يتمتعون بالاولوية التي تحظى بها المنطقة الخضراء، حسب معايير «هيبة الدولة»!
من جهة اخرى، وعودة الى موضوعة المندسين في خطاب رئيس الوزراء ، فقد كرس لهم فيه فقرة كاملة فيما لم يخصص جملة واحدة للمتظاهرين، الذين يحتجون منـذ عشرة اشهر وهم متمسكون بسلمية احتجاجهم، رغم الحالات غير القليلة التي تعرضوا فيها الى الاستفزاز، بل وجرى تغييب اثنين منهم حتى الآن.
فما زال مصير الناشطين جلال الشحماني وواعي المنصوري مجهولا، بينما يفرض الواجب على الحكومة واجهزتها الامنية السهر على حياتهما، وتوفير معلومات عنهما. هذا عدا الاعتقالات التي شملت العديد من الناشطين، الذين يطلق سراحهم بعد إخضاعهم الى التعذيب وإجبارهم على التعهد بعدم الاشتراك في التظاهرات مستقبلا، في مخالفة سافرة للدستور العراقي، الذي ضمن للمواطن حقه في الاحتجاج السلمي.
وهكذا يبدو جليا من خطاب رئيس الوزراء ان هاجسه هو الردع وليس تفهم المطالب والاستجابة لها.
اخيرا نشير الى انه غاب عن الرئيس ان ناشطي حركة الاحتجاج على درجة من الفطنة والنباهة، بحيث لا يمكن ان يخدعهم مندس ويجرهم الى اجندته الخاصة.
نعم، ولن ينطلي عليهم خطاب تعوزه الدقة والموثوقية والصدقية.