تتجاذبني نزعتان، نزعة الاستسلام للحزن العميق على شهداء الكرادة وجرحى الجريمة الارهابية النكراء، ونزعة مغادرة الحزن واعلان الفرح بالانتصارات التي يحققها الجيش العراقي، وآخرها في قاعدة القيارة، التي هي بوابة استرجاع الموصل من سيطرة داعش.
الجريمة النكراء التي اقترفها تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) القذرة الملطخة بالدماء، اوجعتنا بما خلفت من خسائر بشرية. طوقتنا بالحزن وفرضته علينا إذ اتت على شبان آمنين في متاجرهم، ومتبضعين يتهيأون لاستقبال العيد وبهجته. على باعة فقراء امام (بسطياتهم) في موسم عمل انتظروه طويلا، بعد كساد السوق الناجم عن الازمة المالية، الناجمة بدورها عن ازمة النظام السياسي وسوء ادارته الاقتصادية. وعلى شبان آخرين يمضون وقت راحتهم ومتعتهم سوية في مقاهي واسواق الكرادة، قلب بغداد الذي يختصر تنوعها الثري.
طبيعي ان الوجع يكون اشد والحزن اعمق، حينما تفقد شخصيا في مثل هذا التفجير اصحابا واصدقاء ومعارف. لذا فتجاوز الحزن ليس امرا سهلا، بل هو صعب لا يحتمل، لا سيما وان الدلائل تشير الى ان الخسائر التي تكبدناها لن تكون الاخيرة! فاحتمال تكرار الاخطاء والاختراقات ممكن، والتجربة السابقة تبين عدم الاتعاظ والتحوط رغم كل التفجيرات التي حصلت، وعدم اتخاذ الاجراءات بالقدر الذي يؤمن حماية كافية لشوارع بغداد واسواقها. الامر الذي يتطلب وقفه شعبية كبيرة، تُحمَّل فيها القيادات السياسية مسؤولية الاختراقات الامنية، وتُستنكر استهانتها بدماء العراقيين. كما يُشدد عليها مجددا واجب السهر على امن المواطن، ومعالجة الثغرات والنواقص التي ينفذ من خلالها الارهاب، ومحاسبة المقصرين والمتهربين من المسؤولية، وابعاد غير الأكفاء الذين اتت بهم المحاصصة البغيضة الى مناصب امنية خطيرة، وهم لا يمتلكون قدرات وامكانيات ادارتها.
ولكن، ومن جهة اخرى، يبقى من بين اهداف داعش السعي الى تحطيم معنوياتنا، وحصرنا في زاوية الحزن والانطواء على الذات. وان من الواجب مقاومة ذلك، ومواجهته بهجوم مضاد معنوي واسع، انطلاقا من واقع اندحاره امام قواتنا المسلحة في جبهات القتال.
لقد تحقق انتصار يستحق الاشادة والفخر على جبهة الفلوجة، وإلحاق هزيمة نكراء بالدواعش، وملاحقة قواتنا المسلحة ونسور جيشنا لرتلهم المندحر في الصحراء.
ويأتي تحرير قاعدة القيارة ليضيف انتصارا جديدا، ويضيّق مساحة تحرك داعش اكثر واكثر..
وها هي الانظار تتجه نحو الموصل، والعزم يسبق الامل في تحرير ام الربيعين من تسلط الارهاب على رقاب اهلنا في الموصل.