عام كامل مر على انطلاق احتجاجاتنا، عام بفصوله الاربع ونحن نحتج على الفساد والمفسدين، اثنا عشر شهرا ونحن ندعو الى إصلاح النظام السياسي بسلطاته الثلاثة، اثنان وخمسون اسبوعا ونحن نهتف من اجل الخدمات سيما تلك التي تؤمن العيش الكريم وتحفظ كرامة الانسان، ثلاثمائة وستون يوما ولا هم لنا غير المطالبة بعراق خالٍ من المحاصصة والفساد، بعد ان اقتسمت الدولة فيه كغنيمة بين المتنفذين.
عام كامل مر سريعا، ونحن في جذوة الكفاح الصعب بتفانٍ ونكران ذات ومطاولة ندر مثيلها. عام كامل ونحن في نشوة ابتهاجنا بمحاصرة الفاسدين وتبشيع الفساد وتقبيحه، اذ جلعنا المحاصصة رذيلة بعد ان اريد لها ان تكون اساسا قويا وقاعدة للفساد.
يحق لنا الاحتفال بحصيلة انجازنا على مدى عام كامل، وهو كثير وواسع، منه كسر جدار المحاصصة، ومحاصرة الفساد وهز اركانه، والتبشير بالمواطنة، ورفع علم العراق في ساحات الاحتجاج دون سواه، وشحذ الهمم في مواجهة الارهاب، ومحاصرة مشاريع النهب المنظم من المال العام باسم رواتب وامتيازات وافشالها.
عام كامل مر وها نحن نفخر بالسجل السلمي لاحتجاجاتنا، فسلميتنا تنم عن قدرة عجيبة على التحكم بالغضب وادارته، وعملنا على تنمية ثقافة الاحتجاج السلمي وترسيخها اسلوبا اساسيا في التعبير عن مطالبنا، عام كامل مر ونحن متمسكون بعدم الانجرار الى فخ العنف الذي بذل الفاسدون ما بذلوا لجرنا اليه. رغم الدماء الزكية التي انسكبت، والشهداء الذين تضرجوا بدمائهم، وكثرة الجرحى، فإن تمسكنا بنهجنا السلمي اذهل العالم.
عام كامل على صراع حاد، لم يخضع للمساومة. فالمواجهة بين المستغِلين والمستغَلين، بين المتطلعين الى عراق اكثر عدلا وبين المتحكمين بالسلطة والمال والذين لا حد لجشعهم ونهمهم للمال العام هي قيمة كبيرة غير قابلة للتنازل.
عام كامل في مواجه التسويف والالتفاف اللذين لم يجديا نفعا امام اصرارنا على تفويت الفرص امام جميع محاولات المتنفذين لاستغلال الحراك بهدف خوض صراعاتهم السياسية وتصفية الحسابات بينهم، هؤلاء البائسون الذين اثبتوا جهلهم بوعي وقدرة شعبنا المحتج ضد الفساد بقوة لا يمكن لمتنفذ او فاسد ان يفلت منها.
عام كامل مر ويحق لنا الاحتفاء بصناع هذا التاريخ الجديد، نحتفي بمن جابه طغمة الفساد بأصوات صادحة قوية واضحة كوضوح المطالب الوطنية بأبعادها الانسانية. لم يكن بالإمكان الاحتفال بمرور عام على احتجاجاتنا لولا الشجاعة والبسالة والروح الوطنية الوثابة التي لم يثنها ترهيب الفاسدين ولا ترغيبهم.
لا نحتفل بذكرى مضت، بل بكفاح متواصل دون هوادة، فلولا قدرة الذين واصلوا، منذ انطلاق التظاهرات في 31 تموز 2015 حتى اليوم، دون كلل او ملل، متحدين كل صنوف الضغط والاكراه وحملات التشويه وجميع اساليب الفاسدين ووسائلهم القذرة. ولولا قدرة ابطالنا على المواصلة لما قدر لنا ان نحتفل هذا اليوم.