بعد احتجاجات لتجمعات شبابية متنوعة حملت مطالب مشاق الحياة اليومية و آلامها، التي ووجهت بالرصاص الحي اثر تزايد حشودها المنطلقة من تحت نصب الحرية في بغداد عام 2011 ـ اضافة الى مظاهرات المحافظات ـ، و تسببت بسقوط العشرات من الشهداء الشباب مضرجين بدمائهم الطاهرة . . انطلقت الاحتجاجات مجدداً في تموز 2015 اثر تزايد صعوبات حياة المواطن الطبيعية في بلاده بسبب البطالة و انقطاع الكهرباء في حر لايطاق و انقطاع الدخل و الاجور في اجواء تئنّ من الارهاب الذي لايتوقف، بدأت بها اوساط عمالية لعدد من القطاعات، واخرى ووجهت بالرصاص في البصرة و سقط اثرها الشاب منتظر الحلفي شهيداً، بعد بدء مطالبها بتغيير بناء الحكم، و هاجمت مقرات الاحزاب المسؤولة بالحجارة . .
و كانت الإستجابة لها من القطاعات المختلفة في البلاد سريعة و كثيفة و تحوّلت الى انتفاضة شعبية حمتها القوى الامنية الوطنية ، حملت شعار " بإسم الدين باكونا الحرامية " الذي استقطب اوسع جماهير الشباب بسنتهم و شيعتهم، و بكل اديانهم و قومياتهم، في اجواء صعّدت فيها المرجعية العليا للسيد السيستاني مطالبتها للحكم بالاصلاح الجاد و معاقبة الفاسدين، و وعد فيها رئيس الوزراء الجديد بفتح صفحة جديدة لذلك . .
و تحرّكت وجوه الاحتجاجات استجابة للجماهير ولدعوة رئيس الوزراء للاصلاح . . تحرّكت على رؤوساء الكتل المتنفذة بمرور الوقت، و لم يستجب منها فعلياً الاّ قيادة التيار الصدري و قائده السيد الصدر . . بعد تأييد و استجابة المرجعية الشيعية العليا للسيد السيستاني لمطالب شباب الاحتجاجات . .
ولابد من القول ان الاحتجاجات الشبابية المتواصلة بديمومتها، قد خلقت اجواءً اخذت تسود في المجتمع و ترفع وعيه، دعت و تدعو لدعم القوات المسلحة العراقية في حربها ضد داعش الاجرامية و تدعو للاصلاح و تغيير معادلة الحكم التحاصصي الى ان يكون قائماً على اساس المواطنة و الكفاءة و محاربة الفساد و الفاسدين دعماً لجبهة الحرب و من اجل خير الشعب بكل مكوّناته، و قد استطاعت ان تحقق اكبر تحرّك جماهيري سلمي معارض ملتزم بالدستور .
من جانب آخر، حققت حركة الاحتجاجات ديمقراطية فعلية في التعامل بين اطرافها بعيداً عن حدود و صرامة تنظيم حزبي، رغم هفوات و اخطاء صغيرة نسبياً تقع هنا و هناك في اجواء تتربص بها كتل متنفذة مالياً و عنفياً . . لتحقق اوسع تحرّك جماهيري في العراق منذ عقود طويلة. لقد حققت اوسع الفعاليات الشبابية بالبلاد المطالبة بالحقوق الأساسية من اجل حرية الفرد و العيش كريم، بتجمعات متنوعة الأسماء لعبت في نشاطاتها مواقع التواصل الإجتماعي دوراً فعّالاً في التعريف و التحريك و نشر الفعاليات بالصورة و الصوت و لعبت فيها القوى الديمقراطية و الشيوعية و العلمانية المتنوعة ثم الإسلامية المتنورة، لعبت ادواراً رائدة و خاصة اليسارية التي لعبت بصمودها و مواصلتها رغم شحّ المواقف و الظروف . .
و لقد ضمّت حركة الإحتجاجات الشبابية السلمية، الطلبة و العمال و اصحاب المهن و الخريجين و المثقفين و تمددت لتشمل الفلاحين و عددا من وجوه العشائر المتزايدين، و ايقظت و شجّعت على تجمّع المطالبين و اتحاداتهم كما يحصل في مجلات العمال و دعوة الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية قبل ايام للاحتجاجات التي شملت عدة محافظات . . و بالرغم من انه من الطبيعي لها كفعالية جماهيرية كبرى، ان تضم تجمعات متنوعة تتراوح بين التطرف و التعقّل و بين الأحلام و الممكن، الاّ انها تسير و تناضل موحدة الصفوف . .
حتى صارت قوة اعلامية بارزة في كشف الفساد و النواقص و تأييد النجاحات، و شكّلت معارضة سلمية واعية منظمة ضد الفساد و المحاصصة و من اجل الدولة المدنية دولة التكنوقراط و المواطنة ، استطاعت تغيير عدد من ابرز رجال الحكم القائم، و صارت مكوّناً شعبياً لايمكن اغفاله في مسيرة البلاد السياسية العرجاء القائمة، و قوة اعلامية شعبية بارزة للتأييد المنقطع النظير للجيش و للقوى الأمنية الحكومية و الحشد و العشائر و البيشمركة في انتصاراتهم الكبيرة على داعش . .
و اضافت تقاليد جديدة للحياة السياسية برفعها الوعي الجماهيري، الذي كان في سبات صنعته الحروب و الارهاب و الصراع الطائفي من قوى متنوعة داخلية و خارجية، حتى شكّلت اوسع حركة جماهيرية منظمة دون وصاية من حزب او حكومة او جهة خارجية، حركة شملت كل العراق و بقيت بغداد العاصمة محرّكاَ اساسياً و مثالاً يقتدى لأسباب متعددة، منها مافرض عليها من حصار اعلامي و (امني) مبالغ به . .
وبعد ان عقدت اجتماعات متواصلة بين اطرافها، و موسعات في المحافظات، توجتها الآن بمؤتمرها الشبابي الأول الذي عكس بروز اجيال شبابية جديدة ممن يمكن تأهيلهم لمواقع الحكم لروحهم الوطنية الخلاقة، و وقف المؤتمر على التذكير بابطالها الذين استشهدوا و اعتقلوا و عذّبوا و اختطفوا و ضاعت اخبارهم الى الآن، و هي مصممة على المواصلة و على رفع درجات تنظيمها و حركتها التي صارت جزءاً من الواقع السياسي و بوصلة للإصلاح و التغيير، و صارت تشكّل اليوم مايشبه البرلمان الشعبي العلني، استناداً الى احكام الدستور . .
على صعيد آخر، يرى خبراء و سياسيون ان الاحتجاجات الشبابية التي نجحت حتى الآن في تكوين كيان شعبي كبير عابر للطوائف و التكوينات العراقية، بالجهود الصعبة لمشاركيه و وجوهه و مثابرتهم و تضحياتهم، في الظروف الشاقة التي تعيشها البلاد . . عليها ان تضع خطة للعمل تتناول الامور الاكثر ملموسية و تأثير للتحرك في سبيل تحقيق الاهداف المنشودة بالملموس . . والاّ فقد يصيبها الملل و الوهن و تنفض مجاميع شبابية عنها(*) ، بسبب طول الجهود بلا نتائج ملموسة، الأمر الذي تراهن عليه كتل متنفذة لاتخفي ذلك !!
1/ 8 / 2016 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مجاميع قد لاتجلس و تقبع في بيوتها، و انما تلجأ الى اساليب اخرى قد تكون ضارة بالحركة ليست غريبة عن اذهان الناشطين المدنيين و اليساريين .