غطى ما نشر عن خيمة «طريق الشعب» في مهرجان اللومانيتيه الاخير، الندوة السياسية والفعاليات الفنية وغير الفنية، وهي بمجملها نشاط متعدد ومهم وجميل، لن أخوض فيه هنا، انما سأنقل جزءا يسيرا من صور الفعاليات والأنشطة التي جرت خارج خيمتنا. ذلك ان فعاليات المهرجان لا تقتصر على النشاطات الفنية الكثيرة والمتنوعة التي تعكس غنى التنوع وجماله، كمعارض البوستر السياسي التي تعكس كفاح الحركات الاجتماعية وهي تناضل من اجل حقوقها وحرياتها، او الفنون الشعبية والمورث الشعبي والحديث في مدارس الفن، الى جانب الموسيقى والغناء طبعا. انما تشهد خيم المهرجان ندوات وورشا فكرية وسياسية، يتم تسليط الضوء فيها على ابرز القضايا والجديد فيها.
وقد كان الإرهاب الموضوع الرئيسي في اغلب الندوات التي عقدت في المهرجان. ذلك ان الارهاب لم يعد اليوم شبحا يخيم على الشرق الأوسط، يفجر ويقتل المدنيين ويقلق الحياة ويهددها، بعيدا عن اوربا ومدنها الامنة. انما اصبح يشكل في اوربا ذاتها خطرا داخليا داهما، يزرع الخوف والهلع، تاركا اثره على نمط الحياة في القارة، الى جانب كلفته المالية على حساب الخدمات والمعيشة والضمانات، التي تقع ضمن دائرة الضروريات وليس الكماليات، وفق تطور هذه البلدان وتحسن معايير المعيشة ومستوياتها فيها.
والملفت ان الندوات ناقشت ذلك دون اتهام الغير، ورمي المسؤولية عليهم. فهم لم يقولوا ان الارهاب الذي يبطش فرنسا، هو بضاعة مصدرة اليهم، بل ان منهم من رأى انه بضاعتهم التي ردت اليهم. وذلك باعتبار ان الارهاب واحد من ثمار السياسات الداخلية للحكومات الاوربية، وبضمنها السياسات الاقتصادية الفاشلة التي ادت وتؤدي الى انتشار البطالة، والى التهميش الذي يطال بشكل اساسي الفرنسيين من اصول مغاربية او شرق اوسطية. وباعتبار ان الحكومة الفرنسية، شأن الحكومات الاوربية الاخرى، غضت الطرف عن حركة مواطنيها وتوجههم الى افغانستان سابقا والى العراق وسوريا لاحقا للقتال (ممارسة الارهاب) فيها، انطلاقا من الرغبة في إبعاد شرهم عن فرنسا واوربا.
من هنا الاستنتاج ان الارهابيين الذي فجروا انفسهم وعبواتهم في فرنسا، لم يكونوا مغاربة او تونسيين او اجانب آخرين، انما هم فرنسيون. وهذا التشخيص لا ينطلق من محاولة التغطية على الكراهية بين شعوبهم، انما من تلمس واقعي للاسباب الداخلية للارهاب، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية.
بطبيعة الحال، وارتباطا بطبيعة المجتمع الفرنسي وما يعرفه من تنوع في الطيف البشري وتعدد الثقافات، الى جانب بروز الدين كواحد من العوامل الاساسية التي تشغل الفكر، طرح في فرنسا السؤال عن العلمانية الخالصة، وهي ركيزة النظام، وما اذا لا تزال تشكل الاساس في توفير الامن المجتمعي والاستقرار؟
ان المتغيرات التي شهدها نسيج المجتمع الفرنسي تتطلب مراجعة ذلك، والوقوف بقوة ضد اليمين العنصري الذي يتصاعد خطابه، مدعيا الدفاع عن قيم أوروبا العلمانية والفردانية، وساعيا الى القاء مسؤولية الارهاب على المسلمين من مواطني فرنسا، والزعم انهم هم السبب في تقويض الأمن وتحريف قيم أوربا. وهذه الأفكار التي يطلقها اليمين الفرنسي تتطلب الإدانة. فهي تبعد التنوع عن العلمانية، وتشوه ركيزتها الاساسية التي هي التسامح والمشاركة، وتقصيها عبر هذا المنطق الفاشي والنازي، وتحرم فرنسا في نهاية المطاف من ثرائها وتنوعها المتأتي من الهجرة، وتركز على «حفظ عنصرها النقي» الذي لم يعد له وجود علميا وثقافيا واجتماعيا.
في مقابل هذا لخص اليسار الفرنسي رؤيته للحل الممكن عبر مقاربة سياسية اقتصادية اجتماعية، تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون، والعدل بين المواطنين اياً كانت خلفياتهم الفكرية والعقائدية.