يرى الكثير من المراقبين و المحللين ، أن الجيش العراقي صار يشكّلُ أملاً كبيراً للعراقيين الآن من اجل تلاحم مكوّنات البلاد، بعد ان سادت العسكرة فيها، بسبب الغزو الخارجي و أخطائه الكبرى و التدخلات المسلحة و الارهابية لبلدان الجوار، وصولاً الى الحرب ضد داعش الإجرامية الإرهابية، التي صارت تشارك فيها ابرز و اقوى دول العالم، اضافة الى انواع الإرهاب المستشري و بسبب الصراعات الطائفية التي لا تتوقف..
في وقت صارت فيه القوة ركناً مهماً للحكام المتنفذين و للقوى السياسية المتأسلمة التي تستطيع عمل الكثير بالتلويح بالقوة ، ان لم تستخدمها اساساً في فرض ماتريد بالميليشيات التي لايحكمها القانون الحكومي، فيما تحاول اوساط متنفذة و نيابية شمول ميليشيات بـ (حصانة) من المحاسبة، بسوق اسباب متنوعة . . في اجواء و ادوار اقليمية يسود فيها منطق وممارسات القوة والتلويح بها.
ويستعيد السياسيون المجربون والمفكرون و الكتّاب، كيف لعب الجيش دوراً كبيراً في تأسيس الدولة العراقية و في الدفاع عنها في البدايات، في ظروف تتشابه كثيراً بما يجري الآن برغم الفوارق، من اجل السير على طريق بناء دولة مؤسساتية دستورية..
وفيما لعبت نخب من ضباط الجيش ومراتبه وجنوده (*) ادواراً مهمة بعدئذ في اسناد الانتفاضات الشعبية كما في انتفاضة تشرين الشعبية عام 1952 بتكاتف القوى الوطنية حينها . . . حين كان الجيش مدرسة للوطنية بفعل عوامل ذاتية وموضوعية متنوعة برغم انف الطغاة، و حتى تكللت جهود تلك النخب بقيام ثورة 14 تموز و الإعلان عن قيام الجمهورية العراقية التي حوّلت البلاد الى مرحلة جديدة عملت و دعت الى الحرية و الديمقراطية و التقدم الإجتماعي و التآخي القومي و الديني و المذهبي، قبل ان تنتكس و تعجز عن مقاومة ردة شباط 1963.
لعبت فئات من كبار ضباطه ادواراً سيئة بسبب انانيتها و جشعها و امتطت و سخّرت الطائفية و القومية الشوفينية لمآربها، و ادّت الى خسارات كبيرة و الى تكوّن طغم مالية عسكرية، ادّت بالتالي الى قيام دكتاتوريات عسكرية، عن طريق القيام بأنواع الإنقلابات بتحريك و تنظيم خارجي، التي لم تؤدّي الاّ الى قيام حكومات دكتاتورية فردية اعاقت نمو البلاد و اغرقتها في مستنقع الفقر و الجهل و المرض و الطائفية . .
كانت اخطرها و اشنعها و بطرق ملتوية معقدة دكتاتورية صدام التي اشعلت حروب ابادة ضد ابناء شعبها و في المنطقة بحثاً عن مزيد من التسلط و الاستغلال لصالح طغم عائلية بالترابط مع مصالح قوى خارجية . . راح ضحيتها مئات الآلاف من خيرة شباب الوطن بكل اطيافه و مكوناته في ساحات و سواتر المعارك او على يد فرق الإعدام و القوانين العسكرية الرهيبة و عقوبات الموت . . لتتكرر باشكال اخرى و تتسبب بإرهاب متنوع لميليشيات طائفية تسللت و نكأت جروحاً و ايقظت فتناً و بلورت جديدة اخرى اذاقت و تذيق الشعب الأمريّن.
تأسس الجيش على اساس الإنتماء الى الهوية الوطنية مهما كان المكوّن، و الانتماء للوطن مهما تغيّر بناؤه . .
الأمر الذي تزداد متطلباته للوصول الى البناء السليم للدولة الفدرالية او الكونفدرالية الموحدة القائمة على أُسس التعايش و احترام كل المكونات، إحداها للآخر مهما كانت القومية او الدين او الطائفة . .
في وقت تسعى فيه كيانات داخلية متنفذة الى تشكيل و تقوية الميليشيات القائمة على أُسس الطائفية او العرق الأثني، و تسعى الى عدم تكوين جيش وطني قوى متعكّزة على ما جرى في الماضي الدكتاتوري، ناسين او غير مبالين بإهمال الدكتاتور للجيش منذ انتفاضة ربيع 1991 التي اشعلها عسكريون صغار أمطروا جدارية الدكتاتور برصاصهم و أهاجوا الجماهير في البصرة، حيث تُرك جنود و مراتب الجيش هائمين في الشوارع عقوبة لهم على عدم دفاعهم عن عرشه الكريه، حين اعتمد الدكتاتور على قواته الخاصة من الوية الحرس الجمهوري و القوات الخاصة و " فدائيو صدام " وغيرها . . اضافة الى سعي مشابه لدول و كيانات اقليمية تريد ان تجعل البلاد لقمة سائغة لها بتقويض دفاعاتها الفاعلة.
و تخوض القوات المسلحة اليوم، جيشاً و قوى أمنية و قوات شبه نظامية معارك قاسية ضد قوى الارهاب الشريرة داعش و اخواتها المدعومة بأنواع البيوتات الدولية و الإقليمية، و تحقق انتصارات كبيرة . . فيما قدّمت و تقدّم ـ بضمنها قوات البيشمركة الباسلة في كردستان العراق و الحشد و العشائرـ انواع التضحيات و البطولات من اجل تحرير الاراضي المحتلة من يد داعش الإجرامية، و يعمل الجيش على تجاوز ما عاناه من بناء و تدريب ضعيفين و من تمزق بسبب المحاصصة الطائفية و العرقية التي ابتليت بها البلاد..
و يحمّل متخصصون مسؤولية ذلك الضعف في الجيش، على قيادات عسكرية فاسدة و اخرى تدين بالولاء لأشخاص لا حدود لأطماعهم و لا خبرات عسكرية لديهم ابرزهم المالكي في دورات حكمه، على حد وصف وكالات انباء محايدة، اضافة الى اهمال و طرد اعداد كبيرة من الضباط الذين تحتاج البلاد كفاءاتهم، بجريرة كونهم من العهد المباد دون التريث بدراسة اوضاعهم. الامر الذي جعل الجيش و القوى الامنية مؤسسات عاجزة عن اداء دورها الدستوري، قابلة لإختراقات خطيرة من قبل الإرهابيين والمجرمين، كان من ابرزها كسر و تهريب اعتى المجرمين من سجن ابو غريب و كانت قمة نتائجها سقوط الموصل بيد داعش الإجرامية، برغم انواع المطالبات و التحذيرات من قوى و شخصيات وطنية عسكرية ومدنية و مطالبات برلمانية جرى اهمالها ..
و يرى مراقبون ان القوات المسلحة تستطيع تحقيق انتصارات اكبر اليوم ، كلّما حاربت وحداتها كتفاً لكتف ، بعيداً عن الانتماءات التكوينية، و عن الصراعات المكوناتية، طائفية كانت ام دينية او عرقية، و عن الولاءات و الصراعات الفردية. و كلما تقوّت العقيدة الوطنية القتالية فيها على اساس الدفاع عن العراق الإتحادي الدستوري الموحّد . . و اعتبار النضال ضد الارهاب و من اجل حق شعبنا بالحياة و الأمن و الحرية ، هو الهدف المقدس الأساسي للجيش . وان تجري تربية منتسبيه بروح الولاء للوطن واحترام المؤسسات الديمقراطية.
في وقت تتزايد فيه المطالبات بالتشديد على حصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح للمظاهر المسلحة خارج المؤسسات الرسمية من خلال مليشيات او جماعات مسلحة مهما كانت مسمياتها، التي تتستّر بها انواع العصابات الإجرامية، و تستّرت و تتستر بها انواع التدخلات و المخططات الخارجية. و تشريع القوانين الصارمة لضبط ما تشكّل منها لضرورات واجبات الدفاع و ما يمليه النفع العام من تشكيلها . . الأمر الذي يساعد الجيش و القوات المسلحة و قوى الأمن على أداء واجبها في حفظ الأمن والاستقرار.
تتوجه الآمال الى الجيش لأنه يوحد العراقيين على طريق الاهداف العادلة في مستقبل افضل، و لكونه اداة فاعلة للتآخي بين كل المكونات العراقية، ان أُحسن بناؤه و توجيهه . . التآخي الناشئ من الجميع في الخنادق، الى الجميع في المأكل و الملبس و الواجبات و الحقوق . . التآخي الضروري كاداة لتحقيق النصر الفاعل على داعش و قطع الطريق عليها لمحاولة معاودة نشاطاتها الاجرامية !!