اذا كان الجندي العراقي هو من يطلق آخر اطلاقة بوجه الارهاب على جبهة القتال، من اجل تحقيق النصر العسكري الاخير على (داعش)، فان معركة المثقف من اجل بناء وعي رصين ضد الفكر الظلامي هي معركة طويلة جدا، كونها تخاض على قاعدة فكرية ثقافية عميقة، بين فكر يقتل الحياة، وفكر يضيف جمالا الى حياة الناس. فالمثقف هو صوت الشعب ولسانه وعينه التي يبصر من خلاها الاحداث التي تحيط به. و الناس تنتظر الكثير من بصيرة المثقف ورؤيته الى الاحداث وتحلّيله للوقائع، فوعي المثقف واخلاصه للقيم الانسانية هو رسالة الامان للمجتمع.
ان المجابهة الفكرية التي يخوضها المثقف على قاعدة دفاعه عن الحق في الحياة والحريات والضمانات، هي مواجهة واسعة تتطلب عمقا ثقافيا ومعرفة رصينة، تظهرد ان المثقف رقم مهم في الصراع السياسي، ودوره اكثر اهمية في مجابهة الفكر والسلوك الإرهابيين. فهو صاحب مشروع ثقافي لا يحصر صراعه بالسلطة السياسية، وانما يخوض الصراع داخل المجتمع من اجل فرض قيم الجمال والسلام والعدالة والامان. فاشتراك المثقف في معركة الشعب ضد قوى الظلام هي من السعة بحث لا يمكن حصرها بحدود ضيقة.
يتباين دور المثقفين في المعركة ضد (داعش). فمنهم من يكتفي بدور المتفرج إزاء ما يحدث، وكأنه غير معني بما يجري، منطويا على قضاياه الشخصية، متحدثاً بامور بعيدة عن هذه الاولويات. كما تجد المتشائم الذي يثير الاحباط واليأس والقنوط. وهناك ايضا الانتهازي الذي يحدد موقفه حسب مصالحة الشخصية والانانية.
اما المثقفون الغيورون على شعبهم، الساعون للتغيير والتنوير، الحريصون على وطنهم، الذين يربطون ثقافتهم ومصيرهم بهموم الناس ويواجهون التحديات التي تنتصب امام بلدهم، ويتحملون المسؤولية الادبية والمعنوية تجاه مواطنيهم، فهؤلاء هم الصفوة الحسنة التي وقفت مع الشعب في معركته ضد كل قوى الارهاب والظلام، رغم معاناتهم الكثيرة، ورغم حجم العراقيل التي تبرز امامهم. ان حبهم للتحرر والحرية والعدالة كان وما زال معيناً لهم في العمل المنتج المتواصل. هؤلاء هم الذين يعملون على استنهاض الشعب من اجل مقاومة (داعش) بحسب الامكانية الذاتية التي يمتلكونها. اذ ينطلقون من تفكير ايجابي بعيد عن القنوط والتشاؤم والانزواء والتردد، يسعون الى نشر التفاؤل واشاعة الامل بامكانية العراق، و ينطلقون من الايجابية في التفكير.
هذه المعركة التي يخوضها الشعب على اكثر من صعيد، تتطلب من المثقف بجانب اشتراكه في مجابهة الفكر والسلوك الارهابي، التصدي للفساد ومحاربة المفسدين، والتبصير بمخاطر الفكر الطائفي على الوحدة الوطنية، وتعزيز الحصانة الفكرية للشباب والحيلولة دون انجرارهم وراء الفكر الظلامي والانحياز الطائفي، فالثقافة مهما امتلكت خصوصيات تبقى منفتحة على الانسانية بافقها الرحب.