يصادف الثلاثاء الثامن من تشرين الثاني 2016 موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية المهمة التي تجري مرة كل أربع سنوات. وتأتي أهمية هذه الانتخابات لأنها تحدد مجريات السياسة الامريكية داخليا وعالميا، وخاصة سياسة امريكا تجاه ما يجري في منطقة الشرق الاوسط وطريقة تعاملها مع الانتشار الواسع للإرهاب والأحزاب السياسية الاسلامية في المنطقة.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت يجابه فيه الناخب الامريكي العديد من الامور التي تؤثر على قراره الانتخابي داخليا مثل: الوضع الاقتصادي والضرائب والعجز المالي، والجريمة والتفرقة العنصرية، ومشكلة اللاجئين، والهجمات الإرهابية الداخلية. وخارجيا مثل: الإرهاب العالمي، والموقف من العراق وسوريا وإيران وإسرائيل، والتغيرات في ليبيا ومصر، والعلاقات مع الصين وكوريا الشمالية والاتحاد الاوربي وروسيا وغيرها من الازمات.
ورشح الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية وعضوة الكونجرس الأمريكي السابقة للدورة الرئاسية القادمة، بالضد من مرشح الجمهوريين الملياردير دونالد ترامب، مما وضع الناخب الامريكي بوجه تحديات أكبر في الاختيار.
ان الاختيارات التي تجابه الجالية العراقية الامريكية لا تقل صعوبة عما يواجهه الناخب الامريكي، فما يجري في العراق ودول الجوار يهم ابناء هذه الجالية ويؤثر عليهم بشكل مباشر، وما يطرحه المرشحان للرئاسة ينبغي دراسته بامعان لانه سوف يؤثر على مستقبل العلاقة بين العراق وامريكا للسنوات الاربعة او الثمانية القادمة وعلى مدى التدخل والتأثير والنفوذ الامريكي في العراق.
فما هو مدى النفوذ الامريكي في العراق بعد احتلال داعش لمناطق واسعة من العراق والحملة القائمة حاليا بدعم امريكي لدحر المنظمة الإرهابية. وما تأثير هذا النفوذ على اعادة الاعمار ومكافحة الارهاب وعقد الاتفاقيات والتأثير على السياسة العراقية؟ اننا نعلم بان الرئيس الامريكي المنتخب لن يستطيع منفردا ان يقرر السياسة الخارجية الامريكية، ولكن هناك فروقات كبيرة في نظرة المرشحَين لمستقبل العراق.
كلنتون تريد ان تقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع العراق عن طريق المعاهدات والمساعدات والاتفاقات الدولية، دونالد ترامب يعتبر ان الانسحاب العسكري المبكر من العراق كان خطأ، ويدعو الى إعادة القوات العسكرية الامريكية مرة أخرى للعراق، وينتقد العملية العسكرية لتحرير الموصل ويعتبرها فاشلة. ويعتبر إن صدام حسين كان أفضل لشعبه.
وهناك ايضا الموقف المختلف من قبل الحزبين المتنافسين حول إيران. فالديمقراطيين يفضلون اشراك المجتمع الدولي في معاهدات لمنع إيران من بناء سلاح نووي، الجمهوريين وترامب يميلان الى استعمال القوة لإيقاف التسلح النووي الايراني.
التحديات التي تجابه الجالية العراقية الامريكية غير قليلة ايضا فهذه الجالية جزء من المجتمع الامريكي ومايؤثرعلى المجتمع الامريكي يؤثر بشكل مباشر على ابناءها وعلى اعمالهم ووظائفهم ومستقبل اطفالهم.
الانتخابات الامريكية تطرح جملة من المسائل المهمة، والتي على الناخب الامريكي والعراقي الامريكي دراستها ومعرفة موقف المرشحين وموقف الحزبين الاساسيين منها فبالاضافة الى الوضع العراقي والعربي والدولي هناك امور داخلية مهمة اخرى مثل:
- السياسات الاقتصادية للحزبين وتداعياتها على الوظائف والبطالة والاستثمار والاعمال التجارية واسعار البيوت والعقارات والميزانية الفدرالية... الخ. حكومة أوباما الديمقراطية ورثت وضع اقتصادي على حافة الانهيار من حكومة بوش الجمهورية بسبب هذه السياسات، وترامب يريد إعادة السياسات الاقتصادية لبوش مرة أخرى.
- الضرائب وتأثيرها على الطبقة الوسطى في المجتمع الامريكي. الجمهوريين يريدون إعطاء غطاء ضريبي أكبر للأغنياء، والديمقراطيين يطالبون بفرض ضرائب أكثر على الطبقة الغنية.
- التأمين الصحي (أوباما كير) ومحاولة الديمقراطيين توفيره الى اكثرية الشعب الامريكي، مع وقوف الجمهوريين ضده دفاعا عن شركات التأمين الكبرى. ووعود ترامب بتقويضه بالرغم من توفيره التأمين الصحي لأكثر من عشرين مليون امريكي لم يكن لهم تأمين صحي في السابق.
- البيئة والاحتباس الحراري وتأثيره المدمر على مستقبل الحياة في كوكبنا ومستقبل اجيالنا القادمة، والذي يقول الجمهوريين بأنه "اسطورة كاذبة".
- الموقف من الاقليات والمهاجرين وإصرار ترامب على بناء سور ضخم بين أمريكا والمكسيك، ومحاولته لمنع دخول المسلمين الى أمريكا.
- النظرة المختلفة للمرأة من قبل المرشحَين. كلنتون اول امرأة ترشح للانتخابات الرئاسية في تاريخ أمريكا. ترامب ينظر بنظرة واطئة للمرأة، وهناك أكثر من عشرة نساء يتهمون ترامب بالتحرش الجنسي.
- الموقف المختلف للحزبين من الاجهاض وحرية الاختيار.
- الموقف من نقابات العمال وحقوقهم التفاوضية، والذي يعارضه الجمهوريين.
- وهناك العشرات من القضايا الاخرى المهمة والتي ستؤثر على الشعب الامريكي في هذه الانتخابات منها: السياسة الخارجية والارهاب الدولي، القوانين الفدرالية والمحلية، التعليم والمعلمين، الحريات الشخصية، الدين والانجيليين، حرية (الاختيار او الحياة)، الزواج من نفس الجنس، مثلي الجنس، التلوث البيئي، والوقود والنفط والاستثمار ... الخ.
هناك فروق كبيرة وواضحة وأساسية في نظرة كل من الحزبين ومرشحيهما لكل من هذه الامور. فبشكل عام يقف الحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون الى جانب الطبقات الوسطي والفقيرة، ويطالب بفرض ضرائب أكبر على الاغنياء وشركاتهم، ويدعم حقوق العمال واصحاب الاعمال الصغيرة، ويدافع عن العدالة الاجتماعية وعن حقوق المرأة بالاختيار والمساواة مع الرجل، ويحاول اعطاء فرض متساوية للأقليات في المجتمع الامريكي، ويدعم الشباب وحقهم في التعلم، ويعمل على تخفيض او الغاء الأجور الدراسية. ويدعم رفع الحد الأدنى لأجور العمال. ويعمل لأن يكون لكل فرد امريكي تأمين صحي. ويشجع موارد الطاقة البديلة للتخفيف من الاحتباس الحراري. وتؤمن هيلاري كلينتون بأن الحكومة وبرامجها لها دور في بناء مستقبل أفضل للشعب. وكلينتون مدعومة من هذه الفئات الاجتماعية والتي تؤيد هذه السياسات.
اما سياسة الحزب الجمهوري المتمثلة بدونالد ترامب فهي تتلخص بالدفاع عن مصالح الطبقات الغنية والشركات الضخمة، فهو يرفض زيادة الضرائب على هذه الفئات، ويؤمن بحكومة فدرالية أصغر وصلاحيات أكبر للولايات، ويختلف بشكل جذري مع الديمقراطيين في كل ما يسعون اليه. وترامب مدعوم بشكل مادي قوي من هذه الفئات الغنية ومن قبل اليمين المتطرف في المجتمع الامريكي.
ان على ابناء الجالية العراقية الامريكية دراسة هذه القضايا واعطاء الصوت للمرشح او الحزب الذي يدافع عن مصالحهم الطبقية والاجتماعية ويمثل اراءهم وتطلعاتهم.
ان الانتخابات الرئاسية الامريكية وبالرغم من تسميتها هكذا، لكنها تشمل ايضا عدد كبير من الانتخابات الفرعية المهمة الاخرى مثل انتخابات اعضاء مجلس الشيوخ والنواب والقضاة الفدراليين والمحليين وتحتوي ايضا على مجموعة مهمة من القرارات المحلية التي تتطلب موافقة او رفض المنتخب لها. وهذه الانتخابات الفرعية لا تقل اهمية عن الانتخابات الرئاسية لأنها ايضا تحدد الوجهة العامة السياسية للحكومة الامريكية. وهناك ايضا في بعض الولايات يشارك عدد من ابناء جاليتنا العراقية في الترشيح لمناصب مختلفة.
ان الجالية العراقية الامريكية مطالبة اليوم أكثر من اي وقت مضى بالمشاركة في هذه الانتخابات الرئاسية لأهميتها في التأثير على السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة، فالعراقيين الامريكيين نظرا لأعدادهم الكبيرة في الولايات المتحدة لهم القدرة على استعمال اصواتهم للتأثير على صانعي القرار واختيار المرشح الذي يحقق طموحاتهم الشخصية الداخلية والخارجية.
وبغض النظر عن اهتماماتنا السياسية وموقفنا من السياسة الامريكية، ولكن الجميع يتفق بأن قرارات من سوف يجلس في البيت الابيض للسنوات الاربعة القادمة ستؤثر بشكل مباشر على حياة الشعب الامريكي وعلى التغيرات التي ستحصل في العالم بشكل عام.