من ابلغ صور الاحتجاج التي شهدتها الاسبوع الفائت، قيام عدد من النساء المتقدمات في السن، من مواطنات الديوانية، بافتراش الارض وقطع الطريق امام دائرة التقاعد في المحافظة، بسبب تأخر صرف راتبهن التقاعدي. ونُقل عنهن اصرارهن على البقاء في المكان، ومواصلة الاحتجاج بهذه الطريقة، حتى الاستجابة لحقهن في الراتب التقاعدي الذي تأخر صرفه بدون وجه حق، وهو المصدر الوحيد لمعيشتهن.
هذه الصورة للتصدي بوجه الذين لا يكترثون لأهم حق إنساني، وهو الحق في العيش الكريم، الذي ضمنه قانون التقاعد وأمّنه الدستور، لا أبلغ منها.
هذه الوقفة المفعمة بالشجاعة والتحدي وعدم السكوت امام من يتلاعب بحقوق الناس، انطلق الى جانبها عدد واسع يصعب تتبعه، من الاحتجاجات المتنوعة المطالب والمتعددة الاشكال، في اغلب محافظات العراق. هنا تظاهرة تطالب بتثبيت اصحاب العقود المؤقتة على الملاك الدائم، وهناك تظاهرة طلاب متفوقين لم ينصفهم نظام القبول، وغيرهما احتجاج عمال التمويل الذاتي الذين لم يستلموا رواتبهم منذ مدة غير قصيرة، وهنا اهالي التلاميذ والطلبة يحتجون على عدم توزيع المناهج الدراسية، وهناك من يقف ضد تحويل مراكز الشباب الى الاستثمار الخاص.
اخبار الاحتجاجات هذه وغيرها، وهي تتوارد كل يوم، تشعرك بالفرح، لأن رسالة الاحتجاج وعدم الرضوخ وصلت الى المعنيين، وصارت تسهم فيها اعداد من المتضررين من جميع طبقات وشرائح المجتمع وفئاته. وتعني هذه الاحتجاجات في ما تعنيه، ان السكوت لم يعد ممكنا، وان حركة الاحتجاج غير مقتصرة على التظاهرات في ساحات الاحتجاج ايام الجمع لساعات محدودة، بل هي حركة مجتمع ينشد الاصلاح والتغيير.
يؤخذ على حركة الاحتجاج انها لم تحقق اهدافها، والسبب هو هجوم المتنفذين على خطوات الاصلاح رغم محدوديتها، وتمكنهم من فرض تقدم لصالحهم على حساب ما تحقق منها، وعودة نواب رئيس الجمهورية، والتضييق على الحريات المدنية، كما حدث في قانون واردات البلدية، والتصويت على تسوية الحسابات الختامية لاربع سنوات وغيرها. نعم، تمكن المتنفذون من الزحف مجدداً على مساحات خسروها، في محاولات محسوبة لحماية مصالحهم وتأمين وجودهم في السلطة واعادة انتاجهم فيها. وهذا امر طبيعي لأن من غير المتوقع ان يقبلوا الخسارة دون مقاومة، والصراع هو من اجل تأبيد وجودهم في السلطة، بما تدر عليهم من اموال ومكتسبات اخرى وتؤمن لهم سطوة ونفوذاً وجاهاً.
لكن تجربة التاريخ تفيدنا ان الصراع لا يتوقف، وان النصر النهائي سيكون لصالح اصحاب المطالب المشروعة في نهاية المطاف. وعندنا في العراق كسر حاجز الخوف، وتهشمت صور المتنفذين بعد ان وصلت حد التقديس. وهناك رفض للفساد، وعدم قبول للعيش بالطريقة التي يفرضها نظام المحاصصة على الناس، ومقاومة كل ما يضر بمصالح الوطن.
ان استمرار حركة الاحتجاج يهدف الى تغيير موازين القوى لصالح تأمين حقوق المواطن وكرامته، وهي الحقوق التي يضمنهامشروع الدولة المدنية الهادف الى اقامة دولة المواطنة والمؤسسات الدستورية.