تواجه الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة ظروف الاستغلال لمصلحة دهاقنة راس المال أو الحكومات التي تسعى لخدمة مصالحهم، وهذا الاستغلال يكمن في جوهر النظام الرأسمالي الذي يقتات على استغلال قوة عمل هذه الفئات وفي مقدمتهم شغيلة اليد والفكر بأشكال مختلفة، وتبقى تعاني هذه الطبقات والفئات من القوانين والقرارات والضرائب التي ترهقهم وتستقطع من لقمة عيش أفواههم وعائلاتهم، بينما تعيش القلة القليلة برفاهية منقطعة النظير، هذا بشكل عام ما يحدث في أي نظام رأسمالي متطور أو في نظام يتبنى أو ينهج هذا النهج في أطواره الأقل وفي مقدمة ذلك البلدان التابعة التي تنتهج الرأسمالية في بناء الدولة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وان ادعت القومية أو الدينية أو أي أسماء وادعاءات بما فيها الاشتراكية الخاصة أو الرشيدة أو الاشتراكية القومية ...الخ ،والعراق مثالاً على ذلك، ففي العهد الملكي أو العهد الجمهوري بأطواره المختلفة وحكوماته المتتابعة كانت الحكومات تنتهج أو تتبع النهج الرأسمالي، أما نظام حزب البعث العراقي فقد ادعى الوحدة العربية بينما كان من اشد أعداء الوحدة العربية، وادعى الاشتراكية العربية الخاصة لكنه كان في جوهره ذو طابع رأسمالي في أكثرية علاقاته وسياسته الداخلية أو الخارجية على الر غم من البعض من التوجهات مثل تأميم النفط أو البعض من إجراءات لتغطية سياسته ونهجه المعادي للحريات وللديمقراطية وحقوق الإنسان والرأي الآخر وسن قوانين والتي سرعان ما انقلب عليها وبهذا انتهج نهجاً دكتاتورياً استغل فيه شعارات فضفاضة قومية ودينية ووطنية واشتراكية وهي هجين من الشعارات والتوجهات لكن بقى جوهرها الاستغلال بصورة بشعة، فعانت الطبقات والفئات الكادحة وفي مقدمتها شغيلة اليد والفكر من السياسة الظلامية والاستغلال المزدوج والحروب التي كان حطبها الجماهير، وبقيّ الاستغلال وسرقة قوة عملها مستمراً لحين سقوطه واحتلال البلاد بسبب سياسته الرعناء وتوجهاته الفوضوية واعتماد سياسة قمعية إرهابية بالضد من أكثرية الشعب العراقي، طوال تلك الحقب من السنين يبرز السؤال الملح ـــ من هو الذي كان يدفع الثمن؟ ومن كان ينزف من قوته بينما الذين يصنعون القرار هم من يستولون على الأموال العامة ويعيشون وعائلاتهم كسلاطين؟ وعندما سقط ذلك النظام الدكتاتوري وبدأ بتشكيل الحكومات العراقية استبشرت الفئات الكادحة والفقيرة وأصحاب الدخل الضعيف بأمل تحسين أوضاعهم المعيشية وان تكون حياتهم أفضل على الأقل من السابق لكن الذي حدث لم يغير من واقعهم بل زاد من معاناتهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية فضلاً عن الأمنية، وتوسعت دوائر الفقر والبطالة والسياسة الطائفية المعتمدة على تقاسم السلطة وغيرها من مصاعب الحياة ومشاكلها التي عصفت بهذه الفئات والتي مازالت تدفع الثمن بالشعارات الدينية الطائفية، وما زال الاستغلال ينهش قوتها اليومي الذي لا يكاد يسد رمقها وعائلاتها في الحياة ، وبدلاً من السعي لتحسين أوضاعها عم البلاد الفساد المالي والإداري والحروب والميليشيات الطائفية المسلحة إضافة إلى المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش والبعثفاشي ، وبقت تجابه جملة من الإجراءات بما فيها الاستقطاعات من رواتبها تحت طائلة حجج ودعاوى كأنها تشبه تلك التي كان النظام الدكتاتوري يفرضها عليهم تحت طائلة من دعوات للتبرع وما أكثرها. قد يسأل المرء لماذا هذه المقدمة ؟ ـــ وما هي الجدوى منها والجميع يعرفونها ؟ نقول إن ذلك مرتبط اشد الارتباط بالأوضاع التي تمر بها البلاد والطبقات والفئات الكادحة وهي أوضاع شبه مأساوية على جميع الصعد وتتواصل بدون توقف ولا أمل للتخلص منها، ويبدو أنها لن تتوقف وسوف تستمر والا ماذا يفسر تصويت البرلمان على استقطاعات جديدة وعلنية بعدما كانت بدون تصويت للبرلمان ولا هم يحزنون، فقد صوت البرلمان يوم الأحد 4/12/2016 على استقطاع (3.8) من رواتب المتقاعدين والموظفين وهذا الاستقطاع هدفه ضمن الموازنة العامة لسنة 2017 إلا أن الذي يعرفه جميع المتقاعدين والموظفين، الاستقطاعات السابقة لم تكن وليدة تصويت البرلمان الأخير بل هي قبلها بحوالي سنة من التصويت، وقد كانت الاستقطاعات تتراوح ما بين( 50 و 120 ) ألف دينار التي تأخذ من أفواه أصحاب الدخل المحدود ومنهم المتقاعدين والموظفين والعمال الحكوميين وبخاصة التي تتراوح بشكل عام حوالي 500 ألف دينار وقد قيل حينها أن هذه الاستقطاعات قدمت كدعم للحشد الشعبي، وكأن ضريبة دفع الثمن من قوت هؤلاء ملزمة كالماضي وتقع على عاتق الفئات الكادحة وأصحاب الدخل الضعيف بدلاً من تقديم الدعم لهم، الاستقطاعات الحالية لا تختلف عن السابق إلا باختلاف المسميات والأساليب فقبلاً كانت تسمى تبرعات والحقيقة تبرعات قسرية بدون تصويت البرلمان الحزبي للبعثيين بل قرارات الدكتاتور المجيرة باسم ما يسمى مجلس قيادة الثورة!!، بينما في الوقت الحالي فإن الاستقطاعات أصبحت كتشريع برلماني، لا يتصور البعض أن الاستقطاعات من رواتب أصحاب الدخل الضعيف " الموظفين والمتقاعدين" التي صوت عليها مجلس النواب ونشرت في وسائل الإعلام يوم الاثنين 5 / 12 / 2016 جديدة ومثلما قلنا أن الاستقطاعات بدأت حوالي قبل سنة من هذا التصويت المجحف الذي كان من المفروض أن يوقف مجلس النواب الاستقطاعات القديمة التي كانت تجري بلا قانون ولا تصويت وتأخذ من رواتب المتقاعدين والموظفين في ظل ظروف معيشية صعبة جداً وغلاء فاحش ينهك الفئات الكادحة وضمنهم أصحاب الدخل الضعيف أما الفقراء والعاطلين عن العمل فالله يساعدهم على معيشتهم الصعبة، إلا أنه مع شديد الأسف يحاول البعض فلسفتها من واقعه المعيشي الراقي ( لأنه يعيش كالسلاطين!!) ليبرر الموضوع وكأنه من المسلمات أو الواجبات الإنسانية!! بدون الالتفات إلى الواقع المأساوي المعيشي الذي يمضغ المتقاعدين والموظفين أو أصحاب الدخل الضعيف ، فينبري السيد حسام العقابي عضو اللجنة المالية النيابية " "هناك فقرة تضمنتها الاستقطاعات من الموظفين والبالغة 3.8% مثلت عدالة اجتماعية وجانبا إنسانيا كبيرا" ويواصل القول أن "نسبة 0.8% والتي بوبت سابقا بأخرى، تم توزيعها على مشاريع مهمة في أغلب محافظات العراق". ، ألا يحق لنا أن نقول له ـــ لا نعرف عن أي عدالة اجتماعية وجوانب إنسانية تتكلم؟ والاستقطاع أن كان بتصويت البرلمان أو بدونه يعني القسر بمعناه الحقيقي، ولو جرب أن يجري التصويت عليه من قبل أصحاب الشأن هل تتصور سيوافقون على الاستقطاع من الرواتب الضعيفة التي بالكادر تلبي اقل المستلزمات الحياتية بالنسبة للمتقاعدين والموظفين أصحاب الدخل الضعيف؟ ـــ ثم كيف يمكن توزيعها على مشاريع مهمة في العراق بينما هناك المليارات من الدولارات لا يعرف مصيرها وأي جيوب استوعبتها بشكل سري أو علني؟ ـــ وهل من المعقول أن تقوم الدول باستقطاع جزء من رواتب موظفيها ومتقاعديها لتامين احتياجات خدمية أو لبناء الجسور أو للأعمار والإسكان واستكمال الطرق أو قضايا الصحة والتعليم العالي والبحث العلمي أو تامين رواتب ميليشيات استحدثت أو كانت موجودة؟ أي بالمعنى الواضح تأهيل البنى التحتية ...الخ وهو ما أكد عليه عضو اللجنة البرلمانية حسام العقابي بالقول " تم توفير 8 مليار دينار للتعليم العالي والبحث العلمي لتطوير وإنشاء مختبرات المجموعة الطبية إضافة إلى تأهيل البنى التحتية التي تضررت جراء العمل الإرهابي الذي أصابها"، وواصل قوله بخصوص الاستقطاعات "النسب كانت بعدالة بين المحافظات والاستفادة من نسبة 0.8% والتي كانت قيمتها 371 مليار دينار". لكن المتتبعين لهذه السياسة الاقتصادية يتخوفون فعلاً من صعوبات قد تواجه الحكومة في ميزانية 2017 وعلى ما يظهر انه جزء من سد نواقص الميزانية الذي جاء على لسان سرحان سليفاني عضو اللجنة المالية يوم الأربعاء 14 / 12 / 2016 أن " العجز في نفقات الموازنة التشغيلية للعام المقبل بلغ نحو ترليوني دينار ، وهو ما قد يفضي إلى تأخر بسيط في دفع رواتب الموظفين عن مواعيدها المحددة خلال الأشهر الأخيرة من العام المقبل " وهذه إن صحت فهي مصيبة مثلما حدث للمواد التموينية وغيرها
إن التجاوز على رواتب أصحاب الدخول الضعيفة من موظفين ومتقاعدين وعمال حكوميين وغيرهم يعتبر خط احمر باعتباره تجاوزاً على حقوق هؤلاء الذين يجب أن تقوم الدولة بدعمهم وبزيادة رواتبهم بدلاً من التوجه للاستقطاعات ، والمفروض بالبرلمان وبالحكومة أن تفكر بالذين يتمتعون بعشرات الملايين كرواتب ومخصصات من قبل الوزراء والنواب ( 328 نائب ) والمديرين العامين وموظفي الكبار والحمايات الشخصية والمخصصة لهم وآلاف الفضائيين وأعضاء مجالس المحافظات جميعهم يستنزفون موارد الدولة بشكل خاص وهو الداء الذي أصاب ومازال يصيب الميزانيات السابقة والحالية وموارد البلاد وبالأخص النفط، وان يتم تقليص الصرفيات الهائلة التي تبذخ بدون حساب وان تتقصى عن السرقات والتجاوزات على المال العام التي تقدر بالمليارات وتعمل إلى محاسبة الحرامية وأحالتهم للقضاء واسترجاع ما بذمتهم من المليارات التي سرقت من المال العام وليس أن يقوم البرلمان الذي تقع على عاتقه تشريع القوانين لمصلحة الطبقات والفئات الكادحة وأصحاب الدخل الضعيف بإصدار تشريعات لاستقطاع جزء من الرواتب الضئيلة أو غلق الأذان عن ما يجري من تسويف لمواد البطاقة التموينية والصمت على ما يجري من تجاوزات على المال العام .