مقدمة:
نصَّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 الصادر في 24 تشرين الثانينوفمبر 1970 انه "بموجب مبدأ التسوية في الحقوق وتقرير المصير للشعوب المعلنين في ميثاق الأمم المتحدة، لكل الشعوب الحق في أن تقرر، دون تدخل أجنبي، مركزها السياسي، وأن تسعى لتأمين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وعلى كل دولة واجب احترام هذا الحق وفق نصوص الميثاق".
وكان اول من طرح حق تقرير المصير وجعله هدف مشروع هو "فلاديمير اليتش لينين" والذي ألف كتابا اسماه حق تقرير المصير، انتقد فيه اطروحات الكثير من اليساريين من أمثال "كاتسكي" و"روزا لوكسمبورك" وقال ان "هذا الحق يعني الاستقلال وتكوين سياسي مستقل".
وكذلك كان من الذين طرحوا مبدأ حق تقرير المصير هو رئيس الولايات المتحدة الاميركية الأسبق وودرو ويلسون عام 1919.
وفي مؤتمره الذي انعقد في عام 1956 دعا الحزب الشيوعي العراقي الى اعطاء حق تقرير المصير لأكراد العراق، وكان هو التنظيم السياسي العراقي الاول الذي رفع هذا الشعار. وجرى التأكيد على هذا الحق في المؤتمر السابع للحزب الذي انعقد في اب 2001.
وعليه فإن حق تقرير المصير للشعوب ومن ضمنه حق الانفصال، هو حق اساسي ليس عليه شائبة، وكل شعوب العالم لها الحق في ممارسته.
ويجري تطبيق حق تقرير المصير من خلال استفتاء او اقتراع عام يقوم به ممثلي الشعب لأخذ راي الناس في هذا الحق، والاستفتاء هو استشارة الشعب عن طريق التصويت المباشر حول تقرير مصيره. وهذا ما اكدته الامم المتحدة في قرارها رقم 637 الصادر في كانون الاول 1952، والذي نص على "رغبات الشعوب تؤَكد من خلال الاقتراع العام أو اية وسيلة أخرى معترف بها ويفضل أن تمارس تحت اشراف الامم المتحدة"، واكدته ايضا المادة الثامنة والاربعين من اتفاق حقوق الانسان، وقد طبقت عدة دول هذا المبدأ مثل السودان وموريتانيا والهند ونيجيريا.
الاستفتاء الكردي
في 7 حزيران 2017، عقد الرئيس مسعود بارزاني اجتماعاً مع قادة وممثلي الأحزاب السياسية الكردستانية المشاركة في برلمان وحكومة إقليم كردستان ضم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والحركة الإسلامية الكردستانية، والحزب الشيوعي الكردستاني، وحزب كادحي كردستان، وحزب العاملين والكادحين في كردستان، وحزب الإصلاح التقدمي في كردستان، وقائمة أربيل التركمانية، والجبهة التركمانية العراقية، وحزب التنمية التركماني، وقائمة الأرمن في برلمان كردستان، والحركة الديمقراطية الآشورية، والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، وبمقاطعة حركة التغيير والجماعة الاسلامية، حيث تم إقرار استفتاء الاستقلال في 25 سبتمبر 2017.
وبالرغم من ان بعض الاحزاب والتجمعات عارضت الاستفتاء مؤخرا او طالبت بتأجيله، الا ان الرئيس البرزاني ظل مصرا على اقامته.
وينص الاستفتاء على سؤال واحد وهو "هل تريد ان يصبح اقليم كردستان والمناطق الكوردستانية خارج الاقليم دولة مستقلة؟" ويتم التصويت باللغات الكردية والعربية والسريانية.
الوضع في كردستان
لا يختلف الوضع في المناطق الكردستانية كثيرا عن الوضع في المناطق العراقية الاخرى، فالوضع الاقتصادي سيء والفساد مستشري والنظام العشائري هو السائد. البرلمان الكردستاني لم يزاول عمله منذ أكثر من سنتين، الرئيس مسعود البرزاني قد انتهت مدة رئاسته وليس هناك افق في التغيير او البديل.
قوات الپيشمرگة الكردية قاتلت وتقاتل ارهابيي داعش وقدمت وتقدم الشهداء والضحايا، وتستقبل مناطق كردستان الالاف من المهاجرين والمهجرين.
ردود الفعل العراقية
موقف الحكومة العراقية واحزابها الطائفية موقف يشوبه التخبط وعدم التخطيط وتحكمه النعرات الطائفية والقومية والتي تقودها الاحزاب والمليشيات المنفلتة، ويتبنى سياسة التصعيد والتهديد واستعمال القوة بحجة الحفاظ على وحدة العراق، في محاولات لجر شعبنا الى صراعات نحن في غنى عنها، كأنهم لم يكونوا السبب في تجزئة العراق وتفريقه بسبب سياساتهم الطائفية المحاصصاتية.
الوضع الاقليمي
المثل العراقي يقول "كل يغني على ليلاه"، لكل دولة من دول الجوار اجندة ليس لها علاقة بمصلحة العراق وشعبه، والكل يستغل الاستفتاء لمصالحه الخاصة، بالإضافة الى الخوف التاريخي لتركيا وإيران وسوريا من قيام دولة كردية مستقلة على حدودهم. من جهة والخوف من قيام دولة عراقية قوية غنية في المنطقة من جهة اخرى. بالإضافة على محاولة الهيمنة على طوائف الشعب العراقي وعلى مستقبل العراق.
الوضع العالمي
معظم دول العالم رفضت الاستفتاء خوفا من قيام صراعات اقليمية تعقد الوضع في المنطقة، وايضا لوجود مصالح واجندات خاصة لهذه الدول.
المناطق المتنازع عليها وسهل نينوى
بالرغم من تحرير الپيشمرگة المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش، الا ان سكان تلك المناطق يضعون اللوم على انسحاب الپيشمرگة السريع والمفاجئ من المناطق والقرى الأزيدية والمسيحية والتي كانت تحت حماية الپيشمرگة لخساراتهم البشرية والمادية، ولتهجيرهم من قراهم. فهناك شعور بعدم الثقة بالأكراد في تلك المناطق، وخاصة بعد محاولة الاكراد تنصيب شخصيات تابعة لهم في تلك القرى والمناطق.
ان عدم تنفيذ المادة 140 وتجميدها زاد من الاشكالات بين المركز والحكومة الكردستانية بالرغم من المحاولات التي بذلت في تنفيذ بنودها وفقراتها.
ما المطلوب
ان اسباب ما يجري في العراق اليوم من مأسي وتفرقة وتقسيم وحروب هو نتيجة مباشرة لسياسات المحاصصة الطائفية والقومية التي سارت عليها الحكومة العراقية منذ التغيير. فلولا هذه السياسات المدمرة، واستشراء الفساد والسرقة، وانفلات المليشيات الطائفية وعصابات الاجرام، لما كان هناك القاعدة وداعش في العراق وما كان هناك فقر واستغلال للإنسان ضياع مستقبل جيل كامل، وربما ما كان هناك استفتاء للاستقلال.
لقد عانى الشعب الكردي على مدى مئات السنين من التقسيم والحروب والاضطهاد والتشرد فمنذ معاهدة ساكس بيكو 1916 مرورا بالحكم الملكي، والجمهوري، والدكتاتوري، والطائفي، وجاءت معاناة الاكراد الاكبر على يد جلاوزة دكتاتورية صدام والذي شن الحرب الكيمياوية ضدهم وحملات الانفال السيئة الصيت.
فبالرغم من الحق المشروع للشعب الكردي في استفتاء تقرير المصير الا ان الوضع الشاذ غير المستقر الذي يمر فيه العراق اليوم يجعل أي قرار حول حقوق أي جزء من شعبنا قرار غير حكيم.
ان الاستفتاءات لتقرير مصير أي شعب يجب ان تقوم في اجواء ديمقراطية امنة مستقرة بدون ضغوطات او تهديد حتى تبدأ بداية صحية وجيدة. وتصب في النهاية بمصلحة شعوبها، ولكن متطلبات هذه البداية غير متوفرة اليوم في العراق.
ويبقى الحوار والنقاش والعمل المشترك أقرب وأنضج الحلول المطروحة اليوم.
في العهد الجمهوري رفعت القوى الوطنية شعار "السلم في كردستان" وناضلت من اجله وقدمت الشهداء، كم هو هذا الشعار مطلوب اليوم مرة اخرى، لندعو مرة اخرى "للسلم في كردستان والسلم في العراق".
20 ايلول 2017
Nabil_roumayah@yahoo.com