اشبه بشرك كان اعتراف الرئيس الامريكي ترامب بالقدس كعاصمة موحدة لأسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها, نصبه للمنطقة. لكن وقع هو فيه كما اوقع اسرائيل في شراكه.
اراد ان يدعم حليفه الاستراتيجي في المنطقة, بتنفيذ وعده الانتخابي بنقل سفارة بلاده الى القدس وفعل... هللت اسرائيل بتحقق حلمها التوراتي بتوقيع ترامبي.
لقد كانت اسرائيل مستريحة البال, بعيدة عن اوجاع الرأس, لكن برمي ترامب لحجره في البركة الساكنة منذ عقود, وضع اسرائيل في عين العاصفة بعد ان كانت بعيدة عنها وفي مأمن منها ولم يعصف بها عاصف, ولم يلتفت اليها احد. فقد كانت شعوب ودول المنطقة مشغولة بشأنها, تخوض حروبها ضد الهمجية وتدفع عن نفسها الابادة, رغم ان دولة الاحتلال لم تنأ بنفسها عن تأجيج أوار حريق هنا او هناك, بدعم ارهابيي النصرة وغيرها من منظمات ارهابية على حدودها الشمالية لوجستياً حد قصف مواقع الجيش السوري لتخفيف ضغطه عليهم.
ايقظ ترامب القضية الفلسطينية من سباتها ووجه اليها الانظار والاضواء ودفع الى المزيد من التوحد الفلسطيني الداخلي والرفض الاممي لأجراءه, حتى تنصل حلفاء اساسيين للولايات المتحدة من هذا القرارالمنافي للقرارات الاممية, بمن فيهم اعضاء في حلف الناتو, عُدّوا لفترات طويلة بأنهم مؤيدين ثابتين لكل ما تقرره الولايات المتحدة ان لم يكونوا تابعين لها كالمملكة المتحدة.
مواقف " حكومات ومنظمات التطبيع " المستنكرة للقرار سواءاً كانت بالمفرق او بالجملة من خلال الجامعة العربية او منظمة الدول الاسلامية, لا تحضى بثقة رعاياها, حتى اصبحت مشاريع اقامتها علاقات طبيعية مع اسرائيل, اكثر تعقيداً, مما كانت قبل الاعلان الامريكي القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
الامر الآخر الذي ربما لم يُحسب حسابه او غاب عن بال ادارة ترامب, هي تنامي قوة وشكيمة القوى المناهضة للمشروع الصهيوني, في ايران والعراق وسوريا ولبنان وغيرها من الشعوب والدول في المنطقة خصوصاً بعد فشل مشروع اسقاط العراق وسوريا وتقسيمهما طائفياً اوعرقياً وتعثرمشاريع الارهاب في السيطرة على ليبيا واركاع اليمن او انهاك مصر ووضع دول عربية مثل تونس والجزائر تحت تهديد سكين الجزار الهمجي الاسلامي.
ان تنامي الرفض الفلسطيني للقرار يهدد بأندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة, لاسيما بعد ان جردت حكومة الاحتلال الفلسطينيين من كل أمل في حل سلمي عادل... ومواجهتها بالحديد والنار سيعقد الامور امام واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط المنتهجة لسياسة الابارتهايد العنصرية ضد الفلسطينيين منذ 1948.
سعت اسرائيل لمرات عديدة لزج حليفها الامريكي بحرب مباشرة مع ايران, نيابة عنها, لتقطف الثمار جاهزة لكن يبدو ان الحليف الاميريكي ليس بهذا الغباء ليتورط بهكذا حرب غير مأمونة النتائج لذا اكتفى بقرار القدس كهدية, وجعل اسرائيل تواجه فرحها.
ان اية مغامرة غير محسوبة النتائج, وهي ممكنة الحدوث على ضوء ما هو معروف عن الغرور والغطرسة الاسرائيليين, مع حزب الله في لبنان, قد يشعل اوار حرب مدمرة في المنطقة بمشاركة ايرانية وفصائل عراقية وسورية مقاتلة, خرجت للتو من حرب ضروس ضد الارهاب وتمرست في قتال المدن وحرب العصابات واختبرت استعمال اسلحة مختلفة ومتطورة لم تكن تتوفر يوماً لدى المنظمات الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية. اضافة الى انها تنظر الى قضية القدس من منطلق عقائدي ديني كما هو حال الجانب اليهودي الاسرائيلي, لذا يتوقع اندلاع حرب اكثر شراسة من الحروب السابقة, لأن الأخيرة كانت تُخاض من اجل تحرير الارض بينما القادمة ستكون من اجل تحقيق نبوءات السماء.
احدث قرار ترامب ردود فعل اخرى لم تكن في حسبانه وهي انحسار نسبي للخلاف الطائفي المذهبي الذي طالما لعبت على وتره اسرائيل وامريكا... فنحن نشهد دعوات شعبية صريحة من قلب القدس المحتلة للحشد الشعبي العراقي للمشاركة في تحريرها وهو ما لم يكن وارداً قبل ايام.
ان حدوث تحولات دراماتيكية في المنطقة, تكون اسرائيل احد اطرافها سيؤدي الى انهيارها, وهذا ليس بخساً بأمكانياتها العسكرية ولا بجهادية الولايات المتحدة في تقويتها بل بسبب عدم قدرتها على تحمل حرب واسعة طويلة الامد مقارنة بشعوب المنطقة المحيطة التي كابدت ظروف استثنائية من حرمان وتشرد وحرب مستمرة ضد الارهاب ولسنين طويلة, في الوقت الذي رفل الاسرائيليون فيه بالحياة الهادئة ودعة العيش, هذا مادياً, اما معنوياً فأن اغلب الاسرائيليين, والمؤمنين منهم بشكل خاص, عدا سكانها من يهود المنطقة, كما اتصور, يعرفون في دواخلهم, انهم لاينتمون لهذه الارض وتنتابهم فوبيا " دياسبورا " شتات يهودي, جديدة, وان العودة التوراتية اليها بعد الانقطاع عنها مايقارب الالفي عام لا يجعلهم اصحابها.
تبقى اسرائيل مكبلة بميعادها التوراتي ونبوءات زوالها التلمودية.