لسنوات متتالية ونحن نحلم بعام جديد يحمل إلينا المحبة والفرح والامان، وكثيرة هي الأحلام التي نضعها فوق وسادتنا قبل النوم لنستيقظ بعيدا عن الحزن. نحلم بيوم جديد يحمل في ساعاته البهجة والاطمئنان والسلام لنفوسنا التي تتوق الى الراحة بعيدا عن الألم والخوف والقلق والتوتر اليومي. ولعل الاحتفالات التي شهدتها العاصمة بغداد والعديد من المحافظات العراقية ليلة رأس السنة الجديدة، خير دليل على حجم الفرح الذي يتوق اليه الجميع، نافظين غبار الحزن الذي يخيم هنا وهناك.
الحلم بالفرح من جانب والواقع الذي يجلب لنا الحزن من جانب آخر يؤثران في نفوسنا، ما ينعكس في سلوكياتنا وتصرفاتنا وطباعنا. فتتراجع رغباتنا في تحقيق أهدافنا وانجاز طموحاتنا، ويذوي في دواخلنا الأمل بالتغيير. لذا نحتاج إلى ان نحلم بطريقة مختلفة نواجه بها الواقع بالمحبة والتسامح، كبداية في خلق السلام وانطلاقه من دواخلنا لنستطيع زرعه في كل مكان نتواجد فيه، حتى يعم بلادنا ولا تتكرر مشاهد الحزن على وجوه أطفالنا. ولكي نعيد تلك الابتسامات التي غابت عن البيوت التي دمرها الإرهاب وسرق الفرح منها، نحتاج إلى ان نعلم الجميع ثقافة احترام الآخر والحوار، لنستوعب الجميع دون التقليل من أهمية كل من هم حولنا.
ولا يكفي ان نحلم ونتمنى، بل نحتاج إلى الكثير من العمل والعوامل التي تساعدنا في تحقيق أمنياتنا، والتي من أهمها السلام والأمان، اللذان باتا من المفردات التي يرددها الجميع بكثرة، نتيجة للأوقات العصيبة التي مررنا بها وجعلتنا ندفع الأثمان الباهظة من موارد بشرية ومادية ومعنوية، بالإضافة إلى غياب الأمن وتراجع عجلة التطور في العراق.
ولتحقيق السلام نحن بأمس الحاجة إلى أن نبدأ بأنفسنا، فكل فرد اليوم معني، وهو جزء من مجموعة، سواء كانت هي الأسرة أم بيئة العمل أم المجتمع. وعلى الرغم من اختلافاتنا الكثيرة إلا أننا نشكل نسيجا مميزا يشترك في الإنسانية وفي التاريخ الحضاري، الذي يحتاج إلى ان نحافظ على سماته ونعمل على ترجمتها بشكل صحيح. ونحن شعب قادر على مواجهة الصعوبات والتغلب على ما يبدو مستحيلا، وقادر على التعايش بسلام على هذه الأرض جنبا إلى جنب، دون اعتداء أو إقصاء أو تهميش أو تمييز لأي فرد أو فئة.
إن تحقيق السلام وبناء التعايش السلمي مرتبط بالأفراد وقدرتهم على تغيير أنفسهم، ليكونوا قادرين على تغيير الحكومات والسياسات كي تصبح أكثر مسؤولية اتجاه الشعوب وتشعر بمصالحهم، وهذا يحتاج إلى نضال ذاتي ومن ثم نضال مجتمعي ضد الأنظمة الاستبدادية والفاسدة التي تقوم على استغلال الشعب وثروات البلد لمصالحها الخاصة.
ولكي نحول الحلم إلى حقيقة، نحن أمام مسؤولية الحد من التطرف ومكافحة الطائفيين والفساد والفاسدين، ونشر ثقافة السلام ولغة الحوار في كل مكان داخل البيت وفي الشارع وفي كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، لننعم جميعا بالسلام والإخاء والوئام في ظل حكم يحترم القانون ويراعي مصالح الشعب والبلد، بعيدا عن نهج المحاصصة والتكتل الطائفي، وعن الفساد المالي والإداري.
نحتاج إلى قوة الإرادة للتمسك بأحلامنا، ومنها السلام الذي هو التزام عميق الجذور قائم على احترام الجميع والتزام مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والتضامن بين البشر. وهذا هو اهم ما نحتاج اليه لنعيش حياة حرة وكريمة، نحترم فيها اختلاف ثقافتنا والفوارق بيننا.
اننا نشترك في الإنسانية التي تجمعنا وتجعلنا قادرين على اعادة الاعمار وبناء بلدنا وتنمية قدراتنا البشرية والاقتصادية، لتحقيق الاستقرار والرفاهية والتأمين والحماية للجميع.