يعاني مواطنونا في اقليم كردستان من تداعيات استفتاء الانفصال وما جلبه من مصاعب وتعقيدات على حالتهم الاقتصادية وبالخصوص بعد ردود فعل الحكومة الاتحادية بأتخاذ مجموعة من الاجراءات الحازمة التي تحد من امكانية استغلال حكومة الاقليم لموارد عامة لتنفيذ اجندات خاصة.
فقد كشفت الاحداث هشاشة قوام اقتصاد الاقليم رغم ما كان يعيشه من بحبوحة متميزة عن مناطق العراق الاخرى وعدم استثمار حكومته الموارد الضخمة التي تحصلت عليها بعد السيطرة على آبار نفط كركوك لسنوات عديدة, بعد احتلال الدولة الاسلامية داعش لأراضٍ واسعة في البلاد, اضافة الى ما جنته وتجنيه من المنافذ الحدودية والضرائب العامة من مدخولات ضخمة, للصالح العام.
الأمر لا يتعلق بسوء ادارة اموال فقط, كما أكد مواطنو الاقليم وجهات سياسية فاعلة فيه وحتى جهات اقليمية ودولية, بل ايضاً بأستحواذ طرف سياسي متنفذ على موارد الاقليم لصالحه في حسابات مصرفية خاصة.
والآن حيث الواقع المرّ الذي يعيشه العراقيون عموماً بسبب ازمة الحكم المستفحلة والقائمة على اساس المحاصصة الطائفية - العرقية, اصبح لزاماً عليهم بكل انتماءاتهم الأثنية والدينية ايجاد مخرج من الازمة العامة بعيداً عن مسببيها من المتحاصصين.. ولا خيار لهم الا التوحد في مواجهة هذا العدو المشترك المتمثل بجوقة الفاسدين الذين غامروا بمقدراتهم واهدروا دمائهم وبددوا ثرواتهم على نزواتهم الذاتية ونزعاتهم المريضة وضيّعوا عقوداً من السنين من امكانيات تطورهم, وتركوا مستقبل اطفالهم والبلاد في مهب الريح, بدعاوى دينية وقومية متعصبة.
لابد من ادراك المحتجين في الاقليم, ابتداءاً, لأهمية تحويل قضيتهم الى مسألة رأي عام عراقي والاندماج في حركة الاحتجاج المجتمعية العراقية , وعدم الاكتفاء بمطالبات لسياسيين منتفعين, مسوّفين وانتظار ما تجود به مفاوضاتهم السلحفائية.
وهذا التلاحم الشعبي لو حدث فأنه لن يعجب المتنفذين لا في الاقليم ولا في اطراف العراق الاخرى, فهم لا يودون رؤية قيام جبهة ضغط شعبي مؤثرة. في الوقت الذي تشهد وحدتهم الى تصدعات بنيوية... رغم انه لا ينبغي الوقوع في وهم المغالاة في تقدير هذا التصدع, فمهما اختلفوا على التفاصيل فأن ما يجمعهم من مصالح اعظم وأهم. لذا ينبغي ان تكون جبهة مكافحي الفساد موحدة متضامنة.
فما يجمع دعاة التغيير, وحدة الهدف المتمثل بضمان حقوق وكرامات المواطنين وتقدم البلاد, والذي لايمكن بلوغه دون وحدة العمل, الغائبة حالياً بسبب ما عمل عليه دعاة الأنعزال القومي واصحاب الضغائن العنصرية والشوفينية وتلفيق وجود تناقض مصالح وحقوق بين المواطنين الكُرد وبين مواطنيهم الآخرين, بتحميل كل العرب جرائم الانظمة البائدة في كردستان, رغم انهم كشعب كانوا ايضاً ضحايا لهذه الانظمة.
وحدة العمل والتضامن المتبادل يتحققان بنبذ الانعزال القومي والانخراط في عملية الاحتجاج الشعبية العامة, اللذان سيضيفان للحركة الاحتجاجية في الاقليم زخماً معنوياً وتاثيراً سياسياً كبيراً, خصوصاً وان متظاهري ساحات التحرير لاتحكمهم عُقد عنصرية او طائفية في تعاملهم مع الآخرين تعيق هذا التوجه, وهم جاذبين للتنوع لا طاردين له, بدلاً من انزواء حركة الاحتجاج الكردية بحدودها الفئوية الضيقة, الذي يضعفها ويقلل من فرص تحقيق اهدافها, لاسيما وان مطالبها موجهة الى حكومة المركز كما الى حكومة الاقليم.
وهذا يستدعي, على الصعيد العملي, عقد وتوثيق العلاقات مع مثيلاتها الوطنية من نقابات المعلمين والاطباء والفنيين ومنظمات النساء والطلبة والحرفيين... فسمات الحركتين الاحتجاجيتين متماثلة في الشكل والمضمون... وكل ما يعيق تحقيق ذلك هو الهاجس النفسي القومي الذي زرعه دعاة التفرقة في دواخل المواطنين على اساس مكوناتي بغيض, وخشية بعض المحتجين من رميهم بتهمة الخيانة القومية من قبل قيادات سياسية فاسدة في الاقليم, تستكثر على المواطن دفع رواتبه المستحقة من ثرواته المسلوبة.
دولة المواطنة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي الخيمة الجامعة والكفيلة بأحقاق حقوق الجميع بشكل عادل بدون عُقد قومية او دينية او عشائرية....