الضجة المثارة حول هفوة التحدي التي أطلقها القيادي والنائب البرلماني البارز في الائتلاف الوطني العراقي الحاكم السيد عباس البياتي بوجه الآخرين, والتي اعتبرت تعريضاً بالمقدسات, مبالغ فيها.
فهي مجرد زلة لسان غير مقصودة, ولا ينبغي تحميلها اكثر من حجمها, فهي بالأخير, ليست اولى شطحاته.
فالسيد البياتي اراد, ببساطة, ان يستبق عملية الدعاية الانتخابية بتفضيل وتقديم هذه التحالفات الخمسة الرئيسية, الاسلامية بأغلبيتها على غيرها من تحالفات سياسية, كما هو ديدن الأسلاميين دائماً, لأرتباطه الروحي الحميمي بها, طيلة حياته السياسية ومايقارب الخمسة عشر عاماً من حكمها, بتشبيهه لها بأصحاب الكساء الخمسة بما لهم من قدسية وهم " فاطمة وابيها وبعلها وبنيها ". وهو حديث شائع يتداولة الشيعة.
وهو لم يأت ببدعة تتلبسها الضلالة, ولم يكن الوحيد الذي فعل ذلك, فعملية توظيف الرمز الديني المقدس لدى بسطاء المؤمنين ليظفر المشتغلين بالدين على اكثر ما يمكن من منافع خاصة, قديمة قدم التاريخ.
فقد اعتادت احزاب الاسلام السياسي والشيعية منها بالخصوص على اضفاء القدسية على بعض شخوصها من قياداتها الحزبية او مرجعياتها وحتى على أسوأ برامجها السياسية وميليشياتها المسلحة لا بل انها في بحث دائم عن قبر مجهول او شجرة لتوصمها بالقداسة والانتفاع من بركاتها... ولطالما تشبّهت قيادات اسلامية او مسؤولين في الدولة بأنبياء او ملائكة وأئمة او ادعاء التقوى والصلاح.
ألم يسبق السيد البياتي الى ذلك زميله في التحالف الحكومي ووزير الخارجية الحالي ابراهيم الجعفري عندما قال بأن حكومتهم " ملائكية " ؟!! مع ان مؤشرات غياب الأمان وتفاقم الفقر والجهل والفساد الاداري والمالي ونقص الخدمات عالية بشكل فاضح لاتحسدهم عليها حتى الصومال والسودان وافغانستان, تنزع عنها هذه الصفة... اضافة الى ما تطالها من اتهامات بالفساد !
وما عدا بعض اشارات التهكم على مواقع التواصل الاجتماعي, لم يرتفع اي صوت محتج على اعتباره لزملاءه في الحكومة ملائكة تسعى على الارض واعمالهم بالملائكية, رغم ما للملائكة من قدسية دينية, يُفترض ان يكونوا ارفع من زملاءه منزلة, بحكم قربهم من الخالق وكمالهم الروحي, فأصبح وزملاؤه بين ليلة وضحاها أقراناً لناقل الوحي جبرائيل.
ومن يمكن ان ينسى العنوان الدعائي الذي أُطلق على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتسميته ب " مختار العصر " موائمة له بالمختار الثقفي الذي اخذ بثأر الحسين بن علي من قتلته بالكوفة ؟ بما يحمله من رمزية طائفية خاصة, وقد استمرأ الأمر واعجبه التشبيه. ولم يثر ذلك ثائرة احد !
ألم يصل الى منتقدي السيد البياتي حديث السيد لؤي الياسري محافظ النجف بعد اعتقال نجله بتهمة حيازة وتجارة المخدرات بأنه حتى للانبياء بنات وابناء او اخوة عاقين كما لوط ونوح ويوسف... ووضع نفسه كأب بمنزلة كل هؤلاء الانبياء ؟ وتعالت الاصوات منددة بهذا التشبيه لكنها خمدت لاحقاً.
او اشارة زميل له آخر من حزب الدعوة الاسلامية - تنظيم العراق, السيد خضير الخزاعي ووزير التربية والتعليم في وزارة السيد نوري المالكي السابقة, بأنهم من " المتوظأة اياديهم " التي تميزهم عن العلمانيين, ممن ليس لهم هذه الرمزية ولا القدسية عند رب العالمين, بينما تلاحقه اتهامات بملفات فساد كبيرة قدرت بملايين الدولارات, عن فترة اشغاله لمنصب وزير التربية والتعليم ومنها قضية استيراد هياكل حديدية من ايران لبناء مدارس... والتي تحولت الى مجرد هياكل حديد يأكلها الصدأ وبقي التلاميذ في مدارسهم الطينية في بلد غني مثل العراق, وذهبت اموال الصفقة هباءاً منثورا وتوزعت على الاعوان وشركائهم الايرانيين.
وهناك الكثير مما يمكن ان يسرده المرء حول وسائل توظيف المقدس الديني لأغراض دنيوية خالصة... وماكان سابقاً, ما لله لله وما لقيصر لقيصر, اصبح اليوم كله بالكوم لهم وحدهم.
اليوم... بتحولهم الى المدنية, ظن اسلاميو السلطة بمن فيهم السيد عباس البياتي, ان تلبّسهم بلبوسها وتجمّعهم في تحالفات تسمياتها لا تتذيل بالاسلامية وتطرح نفسها على كونها عابرة للطوائف والقوميات وانها تسعى لبناء الدولة المدنية, ومع فرض سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وكرامة المواطن وحقوق المرأة والطفل وكل ما هو جميل مما لاتحويه الدولة الدينية, كافية لأن يغيّبوا وعي العراقي ويعطلوا نباهته بحقيقتهم الطائفية, ثم جاءت زلقة لسان السيد النائب في لحظة انفعال على الهواء ليكشف الكساء عن سوءاتهم الطائفية لمن صدّق للحظة بأنهم جنحوا نحو المدنية.
وحري بمن يطالب بمحاسبة السيد عباس البياتي على هفوته ان يسعى الى محاسبة كل من يستخدم المقدس الديني نصوصاً وقيماً وشخوصاً لتنفيذ مآرب سياسية ونفعية دنيوية خاصة ومنهم المطالبين بالقصاص منه.