يشهد العراق الاستعدادات الجارية لخوض الانتخابات البرلمانية في 12 من شهر أيار الحالي بين مؤيد ومعارض لأسباب كثيرة سببتها التجارب الانتخابية السابقة نظراً لعدم التزام الكتل المتنفذة بالإيفاء بوعودها اتجاه الشعب مما ترتب عليه زيادة الفجوة الحاصلة عن فقدان الثقة بين المواطن والمسؤول الحكومي ، خصوصا إن الأخير لم يقدم أي حلول ومعالجات تعيد للخطاب الحكومي مصداقيته أمام استشراء واضح للفساد ونهج المحاصصة الطائفي.
وعلى الرغم من كل هذا التراجع يلفت الأنظار المشاركة المرتفعة للنساء المرشحات الذي أصبح حديث الشارع العراقي ، حيث تشارك أكثر من ألفي امرأة في الانتخابات التشريعية بالعراق أملا بدور مميز يمكنها من الدفاع عن حقوق النساء وقضايا أخرى تخص الواقع العراقي.
كما تميزت هذه الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بقوائم انتخابية تتزعمها النساء في عدد من محافظات العراق في الوسط وفي محافظات إقليم كردستان ، إذ بلغ عدد النساء الحاصلات على التسلسل رقم (1) في القوائم الانتخابية نحو 8 نساء، وهذا مؤشر جديد جاءت به عدد من القوائم لتبين نواياها نحو تمكين المرأة من جهة وتأكيداً منها على مدنية التوجه العام لبعض القوائم ، وان زعامة النساء تعتبر تحد كبير قد يكسر نوعا ما ذكورية المشهد السياسي ونمطية مشاركة المرأة في القوائم الانتخابية وقد تظهر هناك منافسات واضحة في حصد الأصوات ربما تتمكن فيها النساء من الفوز بمقعدها خارج اطر الكوتا النسائية.
هذا لايعني إن هناك من الأحزاب من يرى فرصة وصوله إلى البرلمان عبر ترشيح النساء في التحالفات الانتخابية معتمدة على العنصر النسوي في حصد اكبر عدد ممكن من المقاعد ومستفيدة من كوتا النساء مما يتطلب الحذر من هذا الاستغلال لشكل مشاركة النساء في البرلمان القادم.
على مستوى العاصمة بغداد هناك قوائم منافسة كبيرة كانت فيها النساء تتصدر بالرقم واحد مثل النائبة ماجدة التميمي عن تحالف سائرون ، والنائبة حنان الفتلاوي عن تحالف أرادة، فيما تتزعم النائبة هدى سجاد قائمة الفتح في محافظة الديوانية وسط العراق، بينما ترتفع نسبة النساء اللواتي تزعمن قوائم انتخابية في محافظات
إقليم كردستان إلى 5 نساء ، في محافظة السليمانية تزعمت شلير عبدالحميد قائمة الحزب الشيوعي الكردستاني ، وعن الحزب الديمقراطي الكردستاني في دهوك فيان صبري، بينما كان على رأس قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني جوان حسن في محافظة كركوك ، وعن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في اربيل تانيا طاهر.
هذا وشهد فترة الحملة الانتخابات انتهاكات وتهديدات عدة واجهتها النساء المرشحات لم تخلو من التسقيط الذي وصل حد الإساءة عبر نشر الفديوات في مواقع التواصل الاجتماعي وتمزيق الملصقات أو تشويه الكثير منها، فيما تشير الكثير من الاستطلاعات إلى إن حظوظ النساء اللواتي تزعمن عدد من القوائم قد لاتحظى بالقبول أو لن تصل إلى الفوز بسبب عدم التزام البعض منهن بالوعود التي قطعت للجماهير سواء في مدنهن أو على المستوى العام في البلاد.
فيما يتولد الخوف لدى الكثير من هيمنة ووصاية الأحزاب الذي قد يحجم ادوار الكثير من النساء المرشحات في حال فوزهن ووصولهن إلى البرلمان، مما قد يشكل إخفاقا للنساء وقد يحبط معنويات الكثير من المهتمين بحقوق المرأة وأهمية مشاركتها السياسية.
وحسب الدستور العراقي وقوانين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أن نسبة النساء المرشحات يجب إن لاتقل عن 25% كحد أدنى ، بينما تشير تقارير مفوضية الانتخابات إلى إن عدد المرشحات والمرشحين الكلي للانتخابات البرلمانية والمحلية المقرر إجراؤها في 12 أيار المقبل، يبلغ 6904 في عموم محافظات العراق، و25 تحالفا و63 كيانا انتخابيا، بينما تجري المنافسة على 329 مقعد برلماني ، فيما يتنافس في بغداد مايقارب الألفين مرشحة مرشحا و40 حزبا وتحالفا انتخابيا، على71 مقعدا منها 69 مقعد للعام إضافة لمقعدان واحد للصابئة ومقعد واحد للمسيحيين.
وعلى الرغم من قوة وقدرة النساء العراقيات على مواجهة التحديات وتصدرهن المشهد السياسي في منافسة انتخابية مع الرجال تبقى فرص تبوء المرأة لمواقع قيادية متقدمة في الهيكل الحكومي محتملة وربما تكون ضئيلة، إلا إذا صدقت النوايا وتولدت أرادة سياسية مؤمنة بوجود المرأة كشريك في بناء العملية السياسية وصناعة القرار.
هنا لابد من عدم الاستهانة بقدرات النساء في مجال التصويت السليم أو الترشيح كممثلة للشعب، فهي قادرة على أن تحكم بقوة وتوازن وحنكة، كما هو مذكور في سجلات التاريخ، لكننا سبق ولاحظنا أن المرأة في العراق قد تفقد حرية الدخول لهذه
التجربة، وإن دخلت ستكون محكومة بقائمة معينة وخاضعة لأهدافها حتى لو كانت لا تعبأ بمصالح الشعب، ولكن ماذا لو دخلت الساحة الانتخابية برسالة وقضية وطنية ذات قيمة كبرى، إنها بلا شك ستحارب من قبل القائمة الأكبر، لهذا ستضم اسمها معهم، وفي حال فوز القائمة سوف يتم تسليمها المنصب الأقل والأضعف، وإن حصلت على مركز مؤثر وحيوي، سوف تبقى تحت سيطرة الكبار وتحكمهم بها، وهذا مما دفع بالبلاد إلى الوراء، ليصبح على ما هو عليه اليوم من تردٍّ واضح للعيان، لذا هناك حاجة إلى تعزيز الثقافة والقيم الراقية والتعايش بين أبناء الشعب ودعم مشاركة المرأة وتطوير إمكانياتها لتبوء مواقع متقدمة ، ولابد من دعم المرأة للمرأة من خلال التصويت لها.
لذا تعمل منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق المرأة وناشطات الحركة النسوية على الدفع باتجاه دعم المرشحات وتدريبهن على كيفية أدارة حملاتهن الانتخابية، كما وتدعو المنظمات الجهات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية إلى أهمية حماية المرأة المرشحة من الانتهاكات التي تتعرض لها لمجرد اختيارها الانخراط في العمل السياسي والترشيح للانتخابات البرلمانية، أمام غياب كامل لإجراءات الردع والوقاية من الإضرار الناتجة عما تتعرض له المرأة المرشحة من إساءات تجعلهن عرضة للخطر والمضايقات الاجتماعية، وتحرص المدافعات عن حقوق المرأة على تكثيف النشاطات التي تدعم النساء المرشحات وبكل الوسائل والإمكانيات المتاحة ويعملن على أطلاق هاشتاك تحث على استقلالية صوت المرأة بعيدا عن التسلط الذكوري، وإعطاء الفرصة لها في حرية انتخاب من تراها أو تراه مناسباً، إلى جانب أطلاق هاشتاك يدعو إلى دعم النساء للنساء عبر قيام الناخبات بالتصويت للنساء المرشحات وخلق تفاعل بين النساء في الترويج إلى أهمية اختيار المرأة استنادا إلى الإمكانيات المتاحة والتي تحرص من خلالها النساء إلى خدمة الناس والمجتمع .
هذا وتعقد النساء الآمال على ضرورة الخروج والمشاركة في الانتخابات عبر التصويت والاقتراع وإيصال المرأة لمواقع تليق بها وبالتاريخ النضالي للمرأة العراقية التي لم تهزمها الحروب والصراعات والحصار وتراجع الوضع الأمني وغياب الخدمات والضمانات الصحية والاجتماعية بالكامل، إلا أنها أثبتت قوة أرادتها وضرورة مساهمتها في بناء الديمقراطية والدولة المدنية، وبأنها قادرة على إن تلعب دور أكبر في تصحيح مسار العملية السياسية في العراق وترسيخ القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، كذلك تبني خطط بناء السلام والتعايش المجتمعي وخلق ثقافة الحوار واحترام الأخر.
لم يبق إلا أيام قلائل تفصلنا عن حدث كبير نتطلع فيه جميعا إلى مشاركة واسعة رغم كل مؤشرات العزوف التي أظهرتها مجموعة من استطلاعات الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي والتي استهدفت عينات عشوائية من عموم العراق، فيما يظل هاجس المهتمين بخصوص الانتخابات أكثر تفاؤلا وهم يحلمون بأحداث تغيير يعيد تنظيم الأمور بما يدفع بالعراق نحو الأمام لمواكبة حركة التحضر الإقليمي والتطور العالمي وتعزيز المواطنة والتفاهم المشترك بين المرأة والرجل كشركاء حقيقيين همهم توفير العيش الكريم لبنات وأبناء ارض الرافدين ارض الحضارات والعلم والعلماء.