إجراء التغيير في العراق عملية معقدة تحتاج إلى جهود استثنائية وإمكانيات عالية من النزاهة والدقة والتضحية ونكران الذات على المستوى العام والمستوى الخاص، ويشمل منذ البداية القوى المتنفذة صاحبة القرار والتي تهيمن على السلطة منذ ما يقارب 15 عاماً لأنها وبواسطة سياسة المحاصصة والتوافقية على حساب الوطنية أنتجت فوضى وفسادا واسع النطاق وعممته وكأنه طبيعي ملازم للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما يشمل التغيير كل القوى السياسية التي دخلت العملية السياسية والتي تشكل حيزاً مهماً في الحياة السياسية على الرغم من بعدها عن القرار واتخذت مواقف مضادة لعمليات الفساد والتحاصص وطالبت بالاستتباب الأمني ومحاربة الإرهاب ولجم الميليشيات الطائفية المسلحة وبالتغيير السياسي والإصلاح الشامل، عندما نتحدث عن التغيير والإصلاح ونحن على أبواب انتخابات تشريعية برلمانية تكاد المطالبة أن تكون مفترق الطريق إلى التغيير والإصلاح لأنها سوف تنتج مجلس نيابي جديد نعني به بشكل عام وخاص ومتواصل ليس مجزأ وحسب الأهواء والمصالح الضيقة، هكذا هي عمليات التغيير الجذرية التي حدثت وتحدث في الكثير من الدول، أما العراق فتلك مصيبة متعددة الجوانب داخلياً وخارجياً ومنها نستشف مقدار التركة المظلمة والمعوقة التي يجب معالجتها وفق أسس علمية وحضارية بعيداً عن أي تأثيرات داخلية أو تدخلات خارجية لا من إيران أو تركيا أو أي دولة أخرى، وهذا يحتاج لرؤيا جديدة في العملية السياسية والرؤيا تتلخص في جملة واحدة " لا بد من التغيير والا ضاع كل شيء " وبمعنى الضياع استمرار الاضطراب والتخلف والفقر والبطالة وعدم الاستقرار الأمني والاعتماد على الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب بينما البلاد تزخر بثروات طبيعية زراعية أو صناعية.
ــــ أي تغيير يحتاجه العراق ؟: هنا تكمن الحقيقة إلا أن هذا الحقيقة بدأت تُغيب بسبب تصريحات البعض من القوى المتنفذة لزرع الريبة في النوايا والتوجهات وكأنهم لم يعوا لا الأوضاع المأساوية ولا الخراب شبه الشامل، وما زال البعض يصارع ويمني النفس بالبقاء في أماكنهم أو بالاستحواذ على السلطة بأي ثمن أو أي شكل وبأي طريق وأسلوب !، فرئيس كتلة ائتلاف دولة القانون في مجلس النواب يغاير حقيقة الفشل في تناول النية للتغيير ويعتبر حزب الدعوة هو المسؤول والقوي والوحيد الأوحد ( كما كان يشيع صدام حسين عن حزب البعث مع الفارق ) لرئاسة الوزراء ويعتبر أي حديث عن انتقال رئاسة مجلس الوزراء أو بالأحرى التغيير مجرد " أمنيات ورغبات " لا يمكن حدوثها أو الركون إليها وصرح علي الأديب إن " الأصوات التي نسمعها تتحدث عن خروج رئاسة الوزراء من حزب الدعوة الإسلامية هي مجرد تمنيات ورغبات لفئات معينة " وأن ذلك الحديث يندرج ضمن التنافس الموجود بين الكتل السياسية" ومن هذا المنطلق نستشف أن تشبث علي الأديب وقيادة حزبه بالاستحواذ على السلطة والبقاء في قمتها، ومهمة التنافس يعني هيمنتهم بعدم السماح بالتغيير والإصلاح الشامل حتى في بنية الحكومة، ومن ثم التخلص من فكرة التغيير أساساً، ثم ومن خلال تصريحه وآخرين يدل عدم صدق التوجه لاحترام تبادل السلطة بشكل سلمي كما نص عليه دستور البلاد، وهؤلاء السادة الذين يتمسكون بالعودة للهيمنة على القرار هم أنفسهم كانوا سبب الفشل والبلاء والتأخر والوقوف أمام تحرك العجلة للبقاء في مكانها الأسلوب القديم لكنهم يسوقونه كأنه جديد، ونلاحظ هذا اللهث خلف السلطة يقف خلفه ممثلو وقادة حزب الدعوة حتى دون التكتل الشيعي فهم لا يسمحون بانتقال رئاسة الوزراء حتى للتحالف الشيعي العام الذي استطاع بتحالفه أن يوصل نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء مرتين ثم حيدر العبادي مؤخراً، ولولا التحالف داخل ائتلاف دولة القانون وتحالف باقي الكتل الشيعية لكان الأمر عسيراً جداً عليهم، ولهذا نجد عواطف نعمة النائبة عن ائتلاف دولة القانون وكأنها متأكدة من فوز ائتلافها في الانتخابات القادمة بشكل مطلق وانه سيكون بالمرتبة الأولى وهو سيتصدر جميع القوائم الانتخابية، هذه الثقة الزائدة عن الحدود تدل على شيء مخفي ومخطط له حددت بموجبه حتى اسم رئيس الوزراء القادم أن "حصول دولة القانون على المرتبة الأولى يعني أن (نوري المالكي) رئيس الوزراء المقبل ولن ندعم رئيس الوزراء حيدر العبادي لولاية ثانية" لكننا نعتقد أن هذه التصريحات خادعة وضبابية تهدف إلى
1ــــ تحقيق الهدف من بقاء رئاسة الوزراء في عهدة ائتلاف دولة القانون وبالتالي انتصاراً لحزب الدعوة ولهذا أثيرت زوبعة حول تشظي حزب الدعوة واعتبار حيدر العبادي القيادي في حزب الدعوة البديل الإصلاحي للتغيير وبخاصة وقد أثيرت اتهامات سابقة كبيرة لنوري المالكي بخصوص سياسته الطائفية والفساد الذي عم البلاد وما حصل في المحافظات الغربية ومناطق أخرى من استيلاء داعش الإرهاب وتوسع الميليشيات الطائفية باستغلال مقولة " الجهاد الكفائي للسيد علي السيستاني "...الخ
2 ــــ خلق توجه محدد لانتخاب حيدر العبادي كأنه بالضد من نوري المالكي وهي عملية غير صحيحة لذر الرماد في العيون لأنها بالتالي أي بعد الانتخابات فان كلا الطرفين، قائمة نوري المالكي التي تمثل ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة، وقائمة النصر حيدر العبادي التي تمثل الجهة الأخرى من ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة سيعودان للتوحيد في سبيل الحصول على منصب رئيس الوزراء للحكومة القادمة وهذا يذكرنا بنتائج الانتخابات السابقة وكيف تم التحالف بعد الانتخابات لمنع القائمة العراقية على الرغم من فوزها للحصول على رئاسة الوزراء.
3 ـــ ويدل هذا على التكتيك الجديد الذي يمارسه حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي بخوض الانتخابات بقائمتين انتخابيتين للحصول على اكبر عددا من الأصوات الانتخابية وبخاصة الأصوات الشيعية، وفضح هذا التكتيك علي الدباغ المتحدث الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية أبان عهد نوري المالكي حيث قال أن " النزول بقائمتين كما فعلت بعض الأحزاب الأخرى سيجلب أصواتاً أكثر، وهو ما يطمح إليه حزب الدعوة لكي يحافظ على منصب رئاسة الوزراء لديه"
لكن هذا المخطط سيصطدم بقوى انتخابية شيعية ليس لديها الرغبة ببقاء رئاسة الوزراء في حوزة حزب الدعوة بعدما شهد العراق هذا التدهور في الكثير من النواحي والاتجاهات والمرافق المهمة على مستوى الدولة أو حياة المواطنين وظروفهم المأساوية وبخاصة ما حدث للقسم الغربي من البلاد وأجزاء من الوسط ، وتسعى هذه القوى كل على حدة بالحصول على الأصوات الشيعية التي تعارض سياسة ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة وتدعو لإنقاذ البيت الشيعي من الانقسامات والتشظي للبقاء على مفهوم الدولة الشيعية!! والتوجه نحو عقد اتفاقيات جديدة ذات طابع طائفي وهي الكارثة التي تنتظر الوضع السياسي الحالي، الاتفاقيات الجديدة كشفت عنها زينب السهلاني النائبة عن كتلة الأحرار التي أشارت إن " عدد من الكتل السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة أجرت اتفاقا سريا لإعادة الوزارات المدمجة إلى سابق عهدها بهدف منح الكتل امتيازات أكثر" بجانب هذه التصريحات فقد أعلن عن وجود إشارات تحذر من " التلاعب بالعملية الانتخابية " وهذه التحذيرات لم تأت من فراغ أو تخويف بل تدل على أن المخطط المشار له اختار عدة طرق وأساليب من اجل الحصول على أصوات انتخابية تؤهله للهيمنة والسيطرة وقد تعتمد على التزوير وطرق غير قانونية عديدة سلكتها بعض القوى المهيمنة في السابق، ولهذا يجب اخذ هذه التحذيرات على محمل الجد ومن المسؤولية وعدم التهاون معها.
لقد بدأ العد التنازلي للانتخابات التشريعية وانتخاب مجلس برلماني جديد يؤهله إنتاج حكومة جديدة وبمواصفات وطنية والتخلص من سياسة المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة والتوافقية اللامبدئية لتقاسم السلطة، وما يعوّل على النتائج سوف يُظهر مدى الجدية في التغيير والإصلاح كما يشاع عنه حتى من قبل قوى الإسلام السياسي والمتحالفين معهم التي فشلت في حكم البلاد بعد الاحتلال والسقوط، كما أشارت جريدة طريق الشعب التي دعت لانتصار " إرادة الناخب الحرة" حيث أكدت مثل جميع التأكيدات من مختلف القوى السياسية الوطنية " فشلهم الشامل الذي يجعلهم مسؤولين عما آلت إليه أوضاع بلدنا من سوء. ولا يوجد بالطبع ما يشير إلى قدرة من حكموا العراق وجُربوا على مدى 15 سنة، على أن يقدموا الحل المرتجى "... نعم وبصريح العبارة لقد جربهم الشعب العراقي بكل أطيافه الدينية والمذهبية والقومية والعرقية فوجد الفشل هو أحسن عنوان لسياستهم والفساد المستشري في مرافق الدولة وهنا تقع على عاتق المواطنين العراقيين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات قضية التغيير لأنهم وحدهم القادرين عليه ووضع شؤون البلاد بيد القوى الوطنية والديمقراطية الشريفة " وربما لا يوجد الآن عذر للمواطن في عدم السير على هذا الطريق " هذا ما أكدت عليه الدعوة " لتنتصر إرادة الناخب الحرة!" وهي دعوة صريحة لتفويت الفرصة على الذين " لا يتورعون عن استخدام وسائل دنيئة في الانتخابات لضمان بقائهم " وعلى الفاسدين واللصوص والطائفيين والميلشيات المسلحة والارهابين لصالح الشعب والوطن.