سياسة التحالفات ركن أساسي في توجهات الأحزاب بمختلف الأيدلوجيات والأفكار، ولهذه التحالفات أهداف لخدمة المصالح ووفق مراحل العمل السياسي كما لها أهداف فيما يخص الفوز في الانتخابات أو عقد اتفاقيات لتشكيل الحكومات وفق مبدأ الأغلبية حسب قوانين الانتخابات المختلفة ولا نريد الخوض في التجارب التي خاضتها الأحزاب وبخاصة أحزاب اليسار بما فيها الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، وبما أننا اليوم في العراق أمام حالة معقدة وفريدة فقد بلغ عدد الأحزاب والتنظيمات والكتل السياسية التي تتنافس في الانتخابات حوالي ( 105 ) حيث حصلت على موافقة المفوضية العليا للانتخابات في نهاية إغلاق باب الترخيص بتاريخ 15 / 12 / 2018 ، ولهذا تحتاج قضية التحالفات والاتفاقيات إلى التدقيق وتشخيص أدوات المرحلة السياسية ومستلزمات نجاح المشروع الوطني الديمقراطي وهنا تتبلور التحالفات والائتلافات الطائفية مثل " الائتلاف الوطني العراقي أو التحالف الوطني الشيعي هو تحالف سياسي عراقي " وفق مفاهيم اجتماعية وطبقية وسياسية مرحلية ومحددة بما فيها مثلما اشرنا مرحلة ما قبل الانتخابات أو ما بعدها للوصول إلى اتفاقيات تخدم مصلحة الأطراف المتحالفة وفق برامج مرحلية واضحة ووفق استقلالية فكرية وتنظيمية .
منذ أن نُشرت نتائج الانتخابات وتلمس الخاسرون مواقعهم ومسؤولياتهم السابقة والحديث المشحون بالديناميت حول إلغاء الانتخابات وهؤلاء لن يتورعوا من القيام بأي عمل للوصول إلى أهدافهم بما فيها إدخال البلاد في فراغ دستوري وبداية الحرب الأهلية، لقد حذرنا من هذا الشأن في مقال سابق" كارثة إلغاء انتخابات 2018 بدون معايير قانونية شاملة" نشرته وسائل الإعلام أكدنا فيه على أن " الطامة الكبرى إذا نحج المخطط الذي اعد لجر البلاد إلى متاهات التفرقة والانزلاق نحو الحرب الداخلية الأهلية والكثير يتوقع المزيد من التعقيدات في العملية السياسية إذا ما تم إلغاء الانتخابات الأخيرة لأنه خسر وفقد مصلحته الذاتية منها " ونجد هذا الاستنتاج لم يقم من فراغ بل اعتمدنا على معطيات وآفاق العملية الانتخابية ومواقف الأحزاب والكتل المتنفذة، وها هو السيد مقتدى الصدر يصرح ضمناً حول المخاطر المحدقة بالعراق مع وجود إمكانية لـ "بداية حرب أهلية" ولم يكن هذا الرأي أحادي الجانب فقد ظهر في استنتاجات عديدة لكتاب ومثقفين يهمهم إصلاح البلاد والحفاظ على الهامش الديمقراطي وقد تحقق هذا الاستنتاج بعد السقوط ، الحرب الشاملة أو المحددة شبح هدد وما زال يهدد وحدة البلاد، وهو بالأمر الجلل الذي يقطع سلسلة العلاقات التاريخية بين المكونات العراقية ويقف بالضد من المحاولات الوطنية المخلصة الهادفة إلى إعادة اللحمة وحل المشاكل المتعلقة والتوجه الجاد والمسؤول من اجل تشكيل الحكومة العراقية على أسس وطنية ونبذ المحاصصة الطائفية والتوافقية الحزبية، ونشهد منذ أن أعلنت النتائج الانتخابية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات موجة حادة من المعارضة السلبية التي تبناها في الدرجة الأولى الخاسرين والمتربصين بالعملية السياسية المهددة أساساً منذ انبثاقها بالتآمر والمحاولات التي تسعى إلى استغلالها من قبل البعض من الأحزاب والقوى المهيمنة ، وقد يفهم البعض أننا نلغي المعارضة الايجابية بما شاب في البعض من المناطق من تزوير وخرق للقوانين بل العكس فنحن ندعو إلى التدقيق للوصول إلى نتائج عادلة لرفع الغبن عن ممن أصابهم التزوير والتلاعب، أما الدعوة لإلغاء الانتخابات التي دعا لها رئيس مجلس النواب فهي تصب في مجرى تعقيد الأوضاع السياسية وتعقيد الأوضاع في جميع المرافق الحيوية في البلاد وقد علق هذه الدعوة على شماعة حرق البعض من صناديق الاقتراع وقال سليم الجبوري "جريمة إحراق المخازن الخاصة بصناديق الاقتراع في منطقة الرصافة إنما هو فعل متعمد" ثم عقب وهو يدرك أن الحريق لم يكن كما هولته بعض الجهات عن طريق الإعلام وهذا ما أكده كاظم يوهان مدير عام مديرية الدفاع المدني اليوم الأحد " أن المخازن الذي تحتوي على أوراق الاقتراع تمت حمايتها جميعا "إلا أن سليم الجبوري دعا وفق هواجس الفشل ولمجرد نشر خبر حرق المخازن " إننا ندعو إلى إعادة الانتخابات بعد أن ثبت تزويرها والتلاعب بنتائجها وتزييف إرادة الشعب العراقي بشكل متعمد وخطير وملاحقة الجهات التي ساهمت في عمليات التزوير والتخريب"
هنا نقول
1 ـــ أين المسؤولية الوطنية من الدعوة لإعادة الانتخابات وقد صرفت عليها المبالغ الطائلة ووظف للعمل فيها ألاف المواطنين والمؤسسات الأمنية والحكومية والمدنية وجهود إعلامية هائلة ؟
2 ـــ من يضمن المساهمة من قبل المواطنين لإجراء انتخابات جديدة بعد الإلغاء وهناك عدم المشاركة ونكوص معروف وكبير من قبلهم في الانتخابات الأخيرة؟
3 ــــ كم من الوقت يحتاج له لترتيب الأوضاع وإنجاز المتطلبات السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية لإجراء انتخابات جديدة
4 ـــ من يضمن أن لا يشوب التزوير والتجاوز والتلاعب مجدداً ومازالت " القوى جماعات وأفراداً " مستمرين في الفساد والتزوير والتلاعب ولهم مسؤوليات حكومية ووظيفية يستطيعون ممارسة الدور السابق نفسه .
هناك عشرات الاستفسارات الأخرى التي ليس لها أجوبة موضوعية لتلافي كوارث عديدة في مقدمتها الاضطراب الأمني وتجدد العمليات الإجرامية المتطرفة واتساع دائرة الفساد أكثر فأكثر خاصة بعد ما يسمى " الفراغ الدستوري ".
أن ظهور التحالفات الجديدة قبل الانتخابات بين القوى المدنية الوطنية دليل على وجود جهود ساعية للتغيير والإصلاح وهذا ما ظهر من خلال برنامج " سائرون "بشكل واضح وواقعي وطني واجتماعي دون مسوغات تنظيرية إعلامية فقط، وبمجرد انتهاء عمليات العد الالكتروني وظهور أوليات النتائج بدأت الكتل التحرك من اجل قيام كتلة كبيرة لتشكيل الحكومة، هذه التحركات أسفرت عن بعض الإعلانات حول اتفاقيات أولية بين بعض التحالفات وفي مقدمتها ( سائرون والحكمة والوطنية) ثم تلتها انضمام ( الفتح ) لها وهي ليس كما ذكرته البعض من القوى المتربصة أو وسائل إعلام تتحرك في المياه العكرة كونها اتفاقيات منتهية إنما اتفاقيات حول البعض من الرؤى بخصوص برنامج وطني لتحقيق الإصلاح والتغيير وبنبذ الطائفية والمحاصصة وله مستلزمات وطنية تخص كامل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية وإعادة بناء مؤسسات الدولة ووزاراتها للتخلص من الفساد المستشري في مرافق الدولة ومحاربة الإرهاب والفكر المتطرف التكفيري والأصولي والعمل لإنهاء الميليشيات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخل الخارجي في شؤون العراق، ومنذ البداية وبمجرد الإعلان تجري محاولات الالتفاف على هذه المبادئ وعدم احترامها وهو أمر خطير ودليل على التجاوز على ما اتفق عليه وفي الوقت نفسه مرفوض وما ينطوي عليه مستقبل العلاقات ولكل حادث حديث، وهذا ما أكده احد قادة سائرون وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي برفضه الالتفاف" على إرادة التغيير "، وفي صدد عدم الالتزام بالبرنامج الوطني ومحاولات الالتفاف عليه أو على الاتفاقيات المبرمة بخصوص التحالف أو تشكيل الحكومة القادمة فقد أوضح المجلس الاستشاري للحزب الشيوعي العراقي في بيانه الصادر في 15 / 6/ 2018 " نجدد التشديد على حاجة بلدنا إلى التغيير والإصلاح، فمن دونهما ستبقى الأوضاع تراوح في مكانها وقد تسوء أكثر. وان من الضروري أن تصان إرادة التغيير التي عبر عنها المواطنون في الانتخابات الأخيرة، والتي نحذر من الالتفاف عليها والتراجع عنها" انه إعلان عن موقف مبدئي بدون أي ملابسات ، الالتفاف يعني نهاية التحالف والخروج منه، هذا التشديد هو موقف واضح بجانب المواقف للقوى الوطنية والديمقراطية والمدنية التي تسعى لحكومة وطنية كي تعمل من اجل استكمال مهمات بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
إن الوضوح في عملية التحالف توقي الأطراف السياسية من الانزلاق نحو مخاطر تؤدي إلى فقدان الثقة وصولاً إلى فرط التحالف بعدما تظهر بوادر الاستغلال والانحراف على ما اتفق عليه واهم المؤشرات في استمرار التحالف والبرنامج المتفق عليه إن كان مرحلي أو لعدة مراحل هو الاستقلالية الفكرية والتنظيمية، والتاريخ شاهد على العديد من الحالات التي كانت قد فشلت أو استمرت لبعض الوقت حتى إنجاز مهمات المرحلة التي تم الاتفاق عليها، واليوم نشهد في العراق العديد من التحالفات بين الكتل التي حصدت اكبر عدداً من المقاعد البرلمانية والهدف المنشود تكوين الكتلة الكبيرة لكي تكلف بتشكيل الوزارة وقيام الحكومة للمباشرة في عملها مع الرئاسات الأخرى " رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان" والا سيكون التماطل والتسويف والتأخير خطراً يهدد بالفراغ الدستوري والتخبط السياسي يعرض البلاد لمخاطر جمة، الشعب العراقي عانى الأمرين من حكومات المحاصصة الطائفية ويأمل بحكومة وطنية لها برنامج وطني عملي من اجل التغيير والإصلاح.. وسينتظر وعسى أن لا يكون الانتظار إلى ما لانهاية وبالتالي تكون أسماء جوهرها محاصصة طائفية وعند ذلك ينطبق المثل الشعبي " تي تي مثل ما رحتي جيتي "*