من منطلق الرؤيا الحقيقية لقيام الحشد الشعبي من تنظيمات مسلحة عديدة، وللأمانة التاريخية نقول :
1- نحن ضد واقع الحال الذي فرض علينا بحكم سياسة النهج الطائفي المحدد حيث أصبحت له أجندات داخلية تتحين الفرص، وخارجية تتمثل في التدخل في الشؤون الداخلية في العراق.
2- هذا الموقف ليس فيه أي عداء أو موقف سلبي مسبق بالوقوف ضد الحشد الشعبي لأنه مجرد حشد شعبي لكنها رؤيا استفسارية ايجابية الهدف والنية .
3- بل العكس فقد أكدنا مراراً على ايجابية التوجه لقتال داعش الإرهاب، وأشدنا بالتضحيات الكبيرة التي قدمها الحشد بشكل صادق.
4 - نجد من الضروري تطوير الإمكانيات لضم هذا التشكيل العسكري إلى القوات المسلحة تحت قيادة الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، وتخليصه من تعدد القرارات أو القيادات.
5- الوقوف بالضد من استغلال أي فتوى دينية أو طائفية تهدف إلى زيادة الشقاق والنزاعات التي تستهدف وحدة الشعب ومكوناته القومية والدينية والعرقية.
6 - اتخاذ موقف حازم ضد تسييس الحشد لما له من مخاطر كبيرة على الوضع السياسي .
ومثلما اشرنا أن موقفنا الثابت هو الحرص على وحدة العراق الوطنية والسلم الاجتماعي ومراعاة مكوناته والتخلص من التخندق الطائفي وحل مشاكله بالطرق السلمية الحوارية وليس عن طريق الميليشيات والتنظيمات العسكرية المسلحة مهما كان اسمها، ولهذا نجد أيضاً أن توضيح موقفنا النقدي البناء الذي يراعي القوانين المرعية والدستور الدائم، وباعتقادنا كما أوضحنا في السابق، انه لا يوجد أي رابط بين الفتوى التي أطلقها السيد علي السيستاني وجوهرها وبين تشكيل الحشد الشعبي على أساس تنظيمات مسلحة عديدة تختص بمكون مذهبي واحد دون غيره من المكونات الأخرى، وفي رأينا وملايين العراقيين وغيرهم معنا: لا يوجد أي ارتباط ما بين الفتوى التي تخص التطوع العراقي الفردي العام ( إلا اللهم اعتبار الشكل دون الجوهر الباطني ) وبين تجمع تنظيمات وميليشيات مسلحة قديمة أو حديثة حيث كما هو معلن انه " يضم الحشد الشعبي حوالي 60 فصيلاً وجاء تشكيله بعد فتوى المرجع الشيعي الأعلى في البلاد آية الله السيد علي السيستاني في 13 يونيو حزيران عام 2014 "، وحينها قام ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة بتوضيح الفتوى بالقول "على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح دفاعا عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، التطوع للانخراط في القوات الأمنية للغرض المقدس" والمواطنين هنا هم من جميع المكونات وليس على أساس مكون طائفي واحد، وأكد ممثل المرجعية " إن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم مسؤولية الجميع ولا تختص بطائفة دون أخرى أو طرف دون آخر" بعدما احتل داعش العديد من المحافظات الغربية وبعض المناطق في العاصمة والوسط ودمر وقتل دون استثناء من جميع الأديان والمذاهب والقوميات، وفي الوقت ذاته جرى استغلال التوجه العام للوقوف بالضد من الإرهاب وداعش باعتبار الفتوى تعد مساهمة فعالة في محاربة داعش وهي بالمعنى الجوهري غير سياسية وليس لها علاقة ما بين التطوع الشعبي التطوعي وبين واقع تكوين الحشد الشعبي على أساس طائفي والذي كان جاهزاً من حيث التنظيم والسلاح والدعم الحزبي من قبل القوى المتنفذة في السلطة.
أن ما يخشاه المواطن ومازالت هذه الخشية تخلق هاجساً من الهدف الأبعد في التوجهات السياسية الطائفية الهادفة إلى خلق بديل عن الجيش العراقي والهيمنة على مقاليد السلطة السياسية مثلما هو حال الحرس الثوري الإيراني وان يكون اليد الطائفية الضاربة لمعاقبة أي معارضة مهما كان نوعها، وهذا التوجس مشروع من التجربة التي رافقت أعمال بعض الميليشيات التي انضموا إلى الحشد الشعبي وتصرفوا بشكل مستقل تقريباً عن قيادة القائد العام للقوات المسلحة على الرغم من البرلمان " القسم الشيعي الأكبر" اقر قانون الحشد الشعبي واعتبره جزء من القوات المسلحة العراقية، لكن واقع الحال أن قيادات في الحشد الشعبي لم تأبه بالقرار وتتصرف بشكل مستقل في الكثير من الأحيان مما يعرض حياة المواطنين للخطر ووحدة البلاد إلى التقسيم الطائفي.
وبخاصة هناك توجه من قبل بعض القوى لتسييس الحشد الشعبي ليكون قوة سياسية وواقية ودرعاً طائفياً مسلح أيضاً، يستمد التوجيه السياسي من بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية الدينية ويهيئ لما يسمونه الطائفيون "للوقت المحدد " الذي رسمته الأهداف السياسية الطائفية، وكانت أولى محاولات هذا التسييس خوض الانتخابات البرلمانية تحت طائلة مسميات البعض من الأحزاب والكتل السياسية التي تسعى للهيمنة وإعادة النهج والمحاصصة الطائفية بحجة التجمع الوطني ولما باءت بالفشل المحاولات الرامية لخوض الانتخابات بسبب المعارضة القوية من قبل العديد من القوى الوطنية وكذلك قوى إسلامية رأت أن هذا التوجه عبارة عن هدف للاستيلاء على السلطة بواسطة انتخابات مزورة وتمرير اتفاقيات لخلق كتلة كبيرة يناط بها تشكيل الحكومة، كما رأت أن الطائفية هي الدمار للكيان العراقي وان العراق ليس إيران أو لبنان لما يمتلك شعبه من ارث نضالي وطني وتشابك مذهبي امتدت لعصور عديدة، نقول بعد الفشل في خوض الانتخابات البرلمانية بشكل علني وبالأسماء المعروفة طائفياً فقد عقدت تحالفات وتكوين كتل معينة قياداتها من هذه التنظيمات والميليشيات وخاضت الانتخابات وبهذا حلت قضية تسييس الحشد الشعبي في هذا التوجه مما اجبر رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى إعلان موقف منه على الرغم من إشادته بالتضحيات " التي قدمها أبطال الحشد والقوات الأمنية" لكنه في الوقت نفسه " رفض أن تكون الأحزاب السياسية داخل الحشد" وشدد على أن الخروج من المدن يجب أن لا يخضع للضغوطات السياسية لأنه سيخلق خللاً داخلياً مما يسهل عودة عصابات داعش ليملوا الفراغ وهذه " فرصة للجماعات الإرهابية للاعتداء على المواطنين " وبهذا حسم الموقف بخصوص تسييس الحشد بما أعلنه " لا يجوز تسييس الحشد الشعبي " وطالب بشكل صريح "على أهمية عدم تسييس الحشد الشعبي" إضافة للدعوة الوطنية الملحة من اجل إعادة هيكلة الحشد الشعبي في العراق تنظيماً وقيادة ودمجه بالقوات المسلحة العراقية، وتوحيد القرار العسكري وفق مفاهيم مصلحة البلاد ووفق ما نص عليه قرار مجلس النواب العراقي.
إن المعارضة الوطنية والشعبية ضد تحويل منظمات وميليشيات مسلحة قديمة أو التي تأسست بعد السقوط عبارة عن معارضة مشروعة بسبب التخوف والخشية من
1 ـ أن لا يكون الحشد الشعبي بديلاً للجيش العراق وباقي المؤسسات الأمنية.
2 ــ الصراعات المسلحة التي قد تشب في أي لحظة ولأسباب تافهة في البعض منها ، العداءات الشخصية والعشائرية أو لخدمة مصالح نفعية ، والبعض يخضع لروح التعصب والعداوات والثارات ، وأكثر هذه الميليشيات والتنظيمات المسلحة تعج بالطائفية والعشائرية وقد حدثت مثل هذه الصدامات ونزاعات حرب الشوارع في مناطق الجنوب والوسط مما اضطر التدخل من قبل الجيش والشرطة لفض هذه النزاعات المسلحة.
إن وحدة العراق الوطنية يجب أن تكمن في السياسة المستمدة من روحية القرار العراقي المستقل وهذه الوحدة من مقوماتها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ودولة المواطنة، وقوات مسلحة وطنية لحماية البلاد والشعب بجميع مكوناته وأطيافه دون استثناء، أما أن تبقى القوى المسلحة خارج إطار الدولة والقائد العام للقوات المسلحة فهو البلاء الأول لعدم الاستقرار، إن الدعوة لإعادة هيكلية الحشد الشعبي لا يخص رئيس الوزراء والحكومة فحسب بل يخص الشعب العراقي ويخص مستقبل البلاد واستقرارها وخلق المستلزمات الأساسية في إعادة بناء المدن وغيرها التي دمرها احتلال داعش الإرهاب وإعادة النازحين والهاربين والإسراع في تعويض المتضررين وعائلات الشهداء والمفقودين والمصابين، إعادة الأوليات ودمج الحشد الشعبي في القوات المسلحة بشكل كامل والتخلص من تعدد القيادات الذي سوف يساهم في قوة العراق ودرء المخاطر الداخلية والتخلص من الإرهاب وحصر السلاح في يد الدولة وكذلك الوقوف بحزم ضد التدخلات الخارجية التي تستهدف استقلال العراق والاستيلاء على موارده الطبيعية.