ظل الانفلات الأمني هاجس أكثرية العراقيين ولم يغب عن بالهم الخوف منه ومن تصاعده وقد لازمهم سنين عديدة منذ انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، وعلى الرغم من فترات قليلة
فلم يكن يغيب عن تصوراتهم إن كان في الشارع العراقي أو من قبل الأجهزة الأمنية المتعددة التي كانت قدر العراقيين في الاعتقال والتغييب والتعذيب والقتل المبرمج، وتميزت فترة ما بعد انقلاب 17 تموز 1968 بحالة متصاعدة وبخاصة أثناء الحروب التي أشعلها النظام الدكتاتوري الداخلية والخارجية، والسياسة القمعية الموجهة ضد أي معارضة وخلاف حتى فكري مع نهج النظام، وزاد الانفلات الأمني بعد الاحتلال والذي اخذ بالتصاعد في فترات معينة، لكنه تراجع قليلاً بعدما أعلنت الحكومة الانتصار على داعش الإرهاب عسكرياً وطرده من المدن الرئيسية، لكن عاد الانفلات بعد فترة من الهدوء النسبي وهو ليس بحالة غير متوقعة، لأننا نوهنا عليه قائلين أن الهزيمة العسكرية على الإرهاب ليست هي النهاية وإنما البداية لخوض معركة أخرى اشد ضراوة وشراسة، وهي قضية الفساد والفاسدين والصراع على الكراسي وسوء الخدمات وأيضاً المعركة الفكرية والملاحقة التنظيمية لداعش، لان الإرهاب مازالت فلوله وخلاياه النائمة مهيئة للاستيقاظ، كما أن الإرهاب الكامن في الميليشيات الطائفية التي تمتلك السلاح والدعم هي المنطلق الجديد إذا لم تعالج قضايا أخرى مرتبطة بإدامة الإرهاب وبروزه على شكل أنشطة إجرامية أخرى لكنها لا تختلف عن جوهر الإرهاب بشقيه السلفي والأصولي، وسوف تكون الأنشطة على شكل أنشطة سريعة وغير مكلفة مثلما نلمسه في الفترة الأخيرة على شكل تفجيرات وبعبوات ناسفة متفرقة في العاصمة بغداد ثم كركوك وصلاح الدين وباقي المحافظات ، وهي حالة تهيأ للقادم الأوسع والأكبر أي العودة للسيارات المفخخة وغيرها، ثم أكدنا أن الاغتيالات السياسية وغير السياسية ستكون متصدرة للمشهد العام بما فيها اغتيالات اجتماعية تحت طائلة الدين والشريعة والأخلاق مثلما حدث لبعض النساء العرقيات مؤخراً، وهذه المرة وعلى ما يظهر أن داعش الإرهاب يتحمل جزء من المسؤولية، إلا أن هناك قوى دينية سياسية تريد حالة من الفوضى الأمنية وعودة الانفلات الأمني الذي لم يقضي عليه تماماً، وهذه القوى تحركها أيضا الخلافات بين الأطراف على الكعكة السياسية والمناصب والمراكز الحكومية، هذه الاغتيالات الجديدة المتنوعة وبخاصة ضد النساء عبارة عن مسلسل بدأ ولن ينتهي إلا بحلول أمنية سريعة تتحمل الأجهزة الأمنية مسؤولية إضافية للكشف عنها ومطاردة المجرمين وتقديمهم للقضاء العادل لينالوا جزاءهم القانوني العادل، لقد أظهرت الاحتجاجات والمظاهرات حول تحسين الأوضاع الخدمية في البصرة وبالضد من الفساد والفاسدين مدى الغضب الجماهيري ضد سياسة المحاصصة ونتائجها الكارثية، إلا أن الجانب الآخر هناك تحركات من قبل مجاميع مسلحة معادية تلاحق الناشطين والمشاركين في الاحتجاجات أخذت توجه لهم التهديدات من اجل إنهاء التظاهرات والاحتجاجات وصرح الناشط حسن عبد الرحمن ( ل للعربي الجديد ) إنّ "مجاميع مسلّحة تعمد إلى متابعة الناشطين والعاملين في مجال حقوق الإنسان بالمحافظة"، ولم يكتف بل أوضح أكثر "هذه المجاميع هدّدت أغلب الناشطين في المحافظة، من خلال اتصالات هاتفية أو رسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي" وهذه التهديدات تندرج تحت التوجهات لتنفيذ اغتيالات معينة ضد نشطاء المظاهرات والاحتجاجات وضد المعارضين السياسيين لسياسة المحاصصة .
إن الاغتيال المبرمج لاحق العراقيين رجالاً ونساء على حد سواء ولم يكن المواطن في يوم من الأيام بمأمن من هذه التوجه الوحشي اللاانساني وبخاصة في ظل الأنظمة الاستبدادية التي مرت على العراق ، والاغتيال حل وحشي مخالف لأبسط الأعراف الإنسانية وللقوانين الدولية وحقوق الإنسان تلجأ إليه الحكومات اللاديمقراطية وحتى اللاوطنية، والاغتيال لا ينحصر فقط على القتل المباشر وإنما يندرج تحت طائلة من القوانين الجائرة التي تسمح بالإعدامات والاغتيال في السجون والمعتقلات والتعذيب حتى الموت وغيرها من الأساليب، وقد مر العراق بجميع المراحل التي تسترت أو شجعت على الاغتيال السياسي بشكل مباشر وغير مباشر، ففي العهد الملكي اعدم النظام في الأربعينات قادة الحزب الشيوعي العراقي " " سلمان يوسف سلمان وزكي بسيم، وحسين الشبيبي " لا لذنب اقترفوه بل لأنهم سياسيون معارضون بشكل سلمي ضد كبت الحريات وسياسة القمع، وفي العهد الجمهوري الأول اغتالت القوى القومية وحزب البعث عشرات المواطنين من ديمقراطيين ووطنيين وشيوعيين في الموصل وغير الموصل واستمرت الإعدامات والتعذيب حتى الموت بعد الانقلاب الدموي الرجعي في 8 شباط 1963 الذي قادته قوى قومية وفي مقدمتها حزب البعث العراقي ولم تنقطع العمليات الإرهابية في عهدي الأخوين عارف لكن الاغتيالات عادت من جديد أكثر تنظيماً وشراسة بعد الانقلاب الثاني 17 / تموز / 1968 بقيادة حزب البعث وتحالفه مع قوى مشبوهة سرعان ما انقلب على حلفائه ونفذ الكثير من عمليات اغتيال مبرمجة ضدهم بالإضافة إلى الاغتيالات ضد البعض من قادة حزب البعث الذين عارضوا صدام حسين وكذلك اغتيالات شملت البعض من الديمقراطيين والشيوعيين وفي مقدمتهم شاكر محمود وستار خضير ومحمد الخضري وإعدام جمهرة من العسكريين، واغتيالات شملت العديد من المواطنين، ولم يتوقف نهج الاغتيالات بعد سقوط النظام الدكتاتوري بل العكس فقد توسع هذا النهج ولكن بنهج طائفي هذه المرة، وقد اغتيل العشرات من المعارضين الوطنين والشيوعيين من قبل الإرهاب "القاعدة أو داعش " أو بقايا النظام السابق وحزب البعث العراقي مثل " أبو سعدون وكامل شياع وأبو فرات" والعديد من الوطنين والديمقراطيين والشرفاء الرافضين للطائفية والمحاصصة ، إضافة إلى ما قامت به الميليشيات الطائفية المسلحة من اغتيالات وقتل وهي تعمل تحت غطاء قانوني في بعض الأحيان ومدعومة خارجياً وداخلياَ ويشار بخصوص المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة في البصرة وغيرها من المدن والمحافظات بان أكثرية الميليشيات الطائفية المسلحة والموالية للأحزاب المتنفذة تعتبر الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية تهديداً لها ولمصالح القوى السياسية والدينية، وهي تلجأ إلى التصفيات والاغتيالات والاعتقالات العشوائية بغرض تميم أفواه المعارضين والرافضين والمطالبين بحقوقهم المشروعة، إلا أن عملية محاربة الإرهاب وداعش بالذات وطردهم من المدن وبالمعنى الصريح بعد هزيمتهم العسكرية جرى بعض الاستقرار وتحسن الوضع الأمني بشكل نسبي، لكن سرعان ما عادت الأوضاع الأمنية إلى المربع الأول تقريباً، وقد أشار إلى ذلك ونشرته جريدة طريق الشعب رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعضو تحالف سائرون أن "التطورات الأمنية التي حدثت في الأسابيع الأخيرة هي مبعث قلق، فمن ناحية هناك خروقات أمنية مثل ما حصل في منطقة الشعب مؤخرا من تفجير إرهابي، ومن ناحية أخرى استمرار مسلسل الاغتيالات لشخصيات معروفة، كما أن هناك اغتيالات تستهدف شخصيات غير معروفة إعلاميا ولأسباب مختلفة" وأضاف سكرتير اللجنة المركزية رائد فهمي "هذه الاغتيالات التي كُشف عنها، والتي طالت ناشطين وناشطات وشخصيات اجتماعية في بغداد والبصرة، بينت، على الرغم من التحسن الأمني الملحوظ، وجود ثغرات المطلوب معالجتها قبل أن تتسع".
هذا التحذير بخصوص الانفلات الأمني وثغراته وغيرها من تحذيرات كثيرة أكدت على ضرورة معالجة الوضع الأمني بشكل ايجابي وعدم التهاون مع الانفلات الأمني الذي اطل برأسه مجدداً واتخذ طريق التفجيرات بواسطة العبوات الناسفة وعدم اقتصارها على منطقة أو مدينة دون غيرها، كما انتشرت الاغتيالات المتنوعة التي نفذت ضد نشطاء المظاهرات والاحتجاجات وضد فئات اجتماعية مختلفة وضد نساء يشغلن مكانة مميزة في عملهن، وتبقى قضية الاهتمام بالأجهزة الأمنية من جيش وشرطة وباقي المؤسسات وتأهيلها بشكل سليم ووطني من أولويات التوجه لتحسين الوضع الأمني والاستقرار لإعادة ثقة ملايين المواطنين بدور الأجهزة والمؤسسات الأمنية بعدما يتلمس مدى الجدية في وطنيتها وتوجهاتها لمحاربة الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة والمافيا المنظمة ، وهي مهمات على الرغم من صعوبتها وتعقيداتها لكنها في النهاية تصب في إنقاذ البلاد من التشتت والانقسام والدفاع عن مصالح المواطن العراقي بالدرجة الرئيسية.