أن أنسحاب ترامب من سوريا ليس مفاجئاً كما يبدو للبعض ، أنهُ مشروع تكتيكي وأستراتيجي في آنٍ واحد ، وأنهُ محسوبٌ لهُ ألف مرّة من حزبه ومستشاريه ونوابه في الكونكرس ، ترامب يختلف عن أسلافهِ من رؤساء أمريكا في نظرته لمعادلة الخسارة والربح فأنهُ يطاب الربح فقط ويتجنب الخسارة ربما تعلمها من مهنتهِ تجارة العقارات ، أن القوات الأمريكية خارج جغرافيتها تقدر بأكثر من 35 ألف جندي من المارينز متوزعين على أفغانستان والعراق والنيجر والصومال والفلبين واليمن وليبيا .
أن أنسحاب أمريكا من شمال شرق سوريا تعتبر بمثابتة أسقاط وهزيمة كل المشاريع والتحالفات المريبة التي أستهدفت تقسيم سوريا والعراق ، ولابد من الأعتراف بالحقيقة من تلك المؤشرات والمعطيات البارزة في الأنتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري وكسب الأرض بنسبة 88% من الأرض السورية وسحب البساط من تحت أشرس عدو مؤدلج بأفكار متطرفة وممونة من المال السعودي والقطري والأماراتي المليارية وب31 منظمة أرهابية مرتبطة بأجندات خليجية وتركية وأمريكية ، وليسمعوا أن سوريا قد حسمت( نصرها) وما يخفيه البنتاكون ما هو ألا تخدير للشعب الأمريكي الذي ذاق مرارة المستنقع الفيتنامي وخليج الخنازير في كوبا ، وها هي الحرب في سوريا تصل لسبعة سنوات ونيّف وتحالفات ومؤامرات أمريكا تفتت على صخرة دمشق الأبية .
والأنسحاب الأمريكي حدث خطير لأن مهمة القضاء على داعش لم تنتهي بعد وأن أكثر من 2130 جندي أمريكي سينسحب من قاعدة التنف ومنطقة 55 من سوريا إلى العراق ، ومن أخطر تداعيات الأنسحاب هو أستفادة تركيا وأيران وروسيا ، والخاسرة هي فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأوربا عموماً والحركة الكردية التي خسرت حلمها عبر قرن من الزمن الغير منصف لأبسط حق من حقوقها القومية في تقرير المصيرفي وطن يجمع شتات ملايين الأكراد أستوطنوا وطناً قسرياً فرضتهُ الخرائط الجائرة والتوازنات الدولية الغارقة بالأنا والمسؤولية التأريخية تقع على عاتق أمريكا التي أوغلت بالخيانة مع الكرد عبر التأريخ ، و الخاسرة الأخرى قوات سوريا الديمقراطية المسماة (قسد ) أختصاراً، ومن الناحية السياسية لأستراتيجيات الحاضر و المستقبل سوف تفقد أمريكا مصداقيتها في محاربة داعش أن لم تكن قد فقدتها اليوم ، وسوف يكون قرار الأنسحاب من سوريا حافزاً مساعدا للمطالب البرلمانية العراقية في جلاء القوات الأمريكية من أراضي الوطن ، ومن التداعيات الأنسحاب أن أيران وروسيا سوف تتحكمان في المقدرات السورية .
وأرى جملة أسباب لهذا الأنسحاب الأمريكي من سوريا :
-ربما أن واشنطن تعد حرباً ضد أيران ، وأعتقد أنهُ العامل الرئيسي في محور الأنسحاب المفاجيء، بل هو يشكل الأستراتيجية المستقبلية الأولى ، وجلاء جميع الموظفين في الخارجية السورية ، ودخول حاملة الطائرات العملاقة مياه بحر العرب وأعداد 1000 طائرة حربية مقاتلة ، وزيارة ترامب المفاجئة للعراق مساء الأربعاء 26 ديسمبر 2018 لقاعدة عين الأسد في الأنبار لتفقد جنود القاعدة ، بدون اللقاء بأي مسؤول عراقي ، والتنسيبق الأسرائيلي بقصف جوي لقواعد عسكرية سورية صباح هذا اليوم جلها معطيات بارزة للتلويح بالحرب ضد أيران ..
- فشل مؤتمرات أستانة الثلاثة في المصالحة وكتابة دستور جديد لسوريا ، وواقع التطبيع الأسرائيلي ،والتنسيق بين الشركاء ، أضافة إلى الأحداث والمعطيات الدراماتيكية الطافحة اليوم على السطح السياسي العربي والأقليمي .
- أسقاط شرط الأطاحة بالرئيس الأسد وهو على رأس متطلبات دول الخليج وبريطانيا وفرنسا ، وتحوّلات أيجابية عربية أخيرة للجانب السوري بارسال دعوة من الجامعة العربية لحضور سوريا الأسد مؤتمر القمة المزمع أنعقادهُ في تونس في آذار القادم ،
وخبر عاجل اليوم بأعادة العلاقات الدبلوماسية بين الأمارات وسوريا بفتح السفارة الأماراتية في دمشق ، وكل هذه المعطيات في الأنفتاح على سوريا ترجع إلى الأنتصارات الميدانية والسياسية السورية على حصون الأرهاب ، وتحرير مناطق شاسعة من الوطن السوري تقارب ال90% منها ، وحنكة وصبر القيادة وتضحيات الشعب السوري ، وآخر المستجدات العسكرية للجيش السوري مساء هذا اليوم الجمعة 28-12 دخولهُ مدينة ( منبج )السورية في ريف حلب الشمال الشرقي ورفع العلم الوطني عليها ، على أثر دعوات فصائل ( وحدات حماية الشعب الكردي ) طالبة من سوريا حمايتها من التهديدات التركية .
- بأعتقادي أن ترامب يريد خلق أزمة كبيرة في المنطقة كالتي حصلت في العراق سنة 1991 وسوف تعرض القضية السورية على الأمم المتحدة وتحصل على التدويل وتلك كارثة الكوارث في أقلّها أن تقع سوريا في شباك عنكبوتية البند السابع البغيض ، المهم أن تحصل أمريكا على الشرعية الدولية .
وأخيراً: سوف تحصل كمعطيات بمقاسات المستحيل أن تترك أمريكا منطقة الطاقة في الشرق العربي ، ومن المستحيل أن يترك أردوغان سيطرته على الشمال السوري لكونه يحمل أحلام سلطانية عتيقة في ضم المنطقة مع الموصل لتركيا ، ومن المستحيل حصول أتفاق بين سورية بشار وأردوغان تركيا لوجود خلافات تاريخية تركية سورية منذ الحرب العالمية الأولى ، ومن المستحيل أن تكون تركيا حليفاً أستراتيجيا لأيران ، فالصراع في سوريـا معقد وملتوي ومسلفن بأطماع ، وخلال متاهات فئوية وأقليمية ودولية ، منها أعتراف صريح لترامب : لن نكون شرطي الشرق الأوسط بدون مقابل ، ومع هذا وذاك الأنسحاب الأمريكي سيعزز وجود القوات الروسية والأيرانية ومقاتلي حزب الله ، وحسب ماأجمع عليه المؤرخو ن : أن القرن الأمريكي الذي ورث قرن الأمبراطورية البريطانية قد دخل مرحلة الأفول في عهد ترامب لأن القاعدة أزدادت كماً حيث وصلت لأربعة أعدادها السابقة ، ونجاح المشروع الأقتصادي الصيني المسمى ( الحزام والطريق ) الذي يربط مناطق الوسط الآسيوي والأفريقي بالدول الأوربية وهو تجاوز المناطق ذات التأثير الأمريكي والذي شارك في هذا المشروع 65 دولة في العالم أي 60 % من سكان العالم أضافة إلى أنجاز مشروع السكك الحديد الصيني العملاق الذي سوف يسهل تمرير الأقتصاد الصناعي والزراعي وهو يكون بمثابتة مشروع أقتصادي لخدمة ونقل البضائع الصناعية والزراعية والأستغناء عن التأثير الأمريكي .
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في/29سبتمبر2018
-