لا يستغرب البعض من قولنا : أنه الارتباط العضوي بين الانقلاب الرجعي البعثي المشبوه في 8 شباط 1963 وما جرى من أحداث ومؤامرات وتدخلات خارجية في شؤون العراق بما فيها الحرب واحتلاله عام 2003 ، حيث بدأت العمليات العسكرية منذ ( 1 آذار إلى 1 أيار 2003) من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا، وكان قانون مجلس الأمن المرقم ( 1483) خير برهان على سيطرة الأمريكان وحلفائهم باعتبارهم قوى محتلة وليست قوى تحررية كما ادعت قبل الحرب وبما أشيع عن وجود أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً، ولو تابعنا بشكل دقيق لوجدنا أن كل ما حدث للبلاد بعد ذلك الانقلاب المشؤوم عبارة عن مسلسل ترتبط حلقاته سياسياً واقتصادياً ...الخ بتلك الردة الرجعية والمخطط الاستعماري المعادي لجوهر التحرر الوطني الكامل من ربقة الاستعمار ومخططاته العدوانية وأهدافه التي أغلبها من اجل الهيمنة والسيطرة والاستغلال .
احتلت بريطانيا الاستعمارية في عام 1917 الولايات العثمانية الثلاث التي مثلت العراق بعد ذلك وبمجرد أن انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة المانيا ومحورها، سيطرت بريطانيا ليس على العراق فحسب بل المنطقة، ثم انتدبت في آخر الأمر لحكم العراق باعتباره إقليما وكانت نتيجة ذلك اتفاقية سايكس ــ بيكو عام 1916 التي قامت بتقسيمها المعروف حسب النفوذ البريطاني والفرنسي، واضطر الاستعماري البريطاني التراجع بعد ثورة العشرين والمقاومة الوطنية من اجل الاستقلال الوطني إلى إقامة النظام الملكي وتتويج فيصل الأول بن الشريف حسين ملكاً، وخلال عام 1922 شرعت العديد من المعاهدات التي منحت العراق بالتدريج استقلالا شكلياً إلا أنها أعطت لها الحق في إقامة القواعد العسكرية قرب البصرة " الشعيبة" وفي الرمادي " قاعدة الحبانية " والعديد من الامتيازات التي كبلت البلاد وأخضعتها للسيطرة الاستعمارية وبخاصة النفط، كل ذلك بحجة الدفاع عن العراق الذي كان مبرراً للبقاء والهيمنة، وظهر لاحقا ومنذ تباشير تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى قبل التأسيس احتلال بريطانيا الاستعماري والتدخل في شؤون البلاد، وعانى العراق من الاحتلال والتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية الكثير، وعندما نعود لحقبة بداية القرن العشرين سنجد الاحتلال بوجهه الاستعماري وتدخله الفظ استطاع خلال العهد الملكي الهيمنة على البلاد واقتصاده والتدخل في شؤونها الداخلية بما فيها تشكيل الوزارات وحتى ترسم السياسة الخارجية وفق رؤيا الاستعمار البريطاني ومصالحه قبل مصالح العراق وخير مثال المعاهدات الاستعمارية التي وقعت مع العراق بما فيها معاهدة حلف بغداد العدواني التي خططت لها الدوائر البريطانية لتكون أداة كبح لتطلعات الشعب العراقي وخدمة للمصالح الاستعمارية والبريطانية بالذات وأداة تهديد للشعوب والبعض من الدول العربية في المنطقة وغيرها وفي مقدمتها مصر، وبقت السياسة الداخلية والخارجية مرتبطة بالمصالح البريطانية على الرغم من الادعاءات باستقلال القرار العراقي في الداخل، والتاريخ يشهد من وراء إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بسكرتير الحزب الشيوعي يوسف سلمان فهد وأعضاء المكتب السياسي زكي بسيم وحسين الشبيبي في 1948 ، وتوقيع معاهدة برتسموث الاسترقاقية وغيرها من الشؤون الداخلية، أما السياسة الخارجية فقد كانت شديدة الارتباط بالسياسات الاستعمارية وفي مقدمتها البريطانية، ولم ينته التدخل والهيمنة إلا بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 التي أنهت تلك الفترة من التبعية والخروج من المعاهدات والأحلاف العسكرية وبهذه الثورة تم إنجاز الكثير من المهام الوطنية السياسية والاقتصادية، إلا أن سرعان ما عطلت أهداف الثورة الوطنية التحررية بعد انقلاب 8 شياط 1963الدموي الذي كان بقيادة القوى القومية وفي المقدمة حزب البعث والقوى الرجعية والإقطاعية وبقايا النظام السابق وبمساندة القوى الاستعمارية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت من النتائج المأساوية التي قام بها هذا الانقلاب الدموي إعدام العشرات من الوطنين والديمقراطيين و الشيوعيين وفي مقدمتهم سكرتير الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل " حسين الرضوي" والعديد من أعضاء المكتب السياسي ، جمال الحيدري وحسن عوينه والعبلي وغيرهم، وكوادر وطنية معروفة وزج الالاف من التقدميين والمواطنين في السجون والمعتقلات كما تم إعدام قائد ثورة 14 تموز الزعيم عبد الكريم قاسم وثلة من الزعماء العسكريين الوطنيين ، وبهذا أعيد العراق تقريباً إلى المربع الأول ومع بعض الاستثناءات في الزمان والمكان وقيام العلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول وبخاصة أوربا الشرقية بعد ثورة 14 تموز بما فيها العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق التي لم تكن قبل الثورة موجودة .
بمجرد نجاح انقلاب 8 شباط 1963 الذي كان على قاطرة أمريكية مثلما اعترف احد قيادي الانقلاب وحزب البعث العراقي حتى بدأت التدخلات الخارجية وبسبب سقوط سلطة حزب البعث العراقي اثر انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 الذي قام به رئيس الجمهورية عبد السلام عارف وتحالفه مع القوى القومية العربية من دون حزب البعث بدأت مرحلة أخرى تختلف عن السابق حتى قيام انقلاب 17 تموز 1968 بتحالف بين حزب البعث وضباط عراقيين مرتبطين بالمخابرات الأجنبية وأعيدت جريمة القتل والإعدام والسجون والمعتقلات ، وطوال فترة الحكم الدكتاتوري في العراق كان التدخل أو الارتباطات التجارية وصفقات السلاح المشبوهة وغيرها طريق للتدخل وساحة لنشاطات الجواسيس، وكلما كان يشاع عن النهج الوطني المستقل أو القضية المركزية الفلسطينية ما هو إلا هراء وترويج لإخفاء طابع الحكم المرتبط والمنفذ للمخططات الخارجية بما فيها شن الحرب في 22 أيلول 1980 على إيران، ثم ما جرى بعد تحرير الكويت إلى نهاية المطاف قيام الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بريطانيا باحتلال العراق 2003 وإسقاط النظام الدكتاتوري الذي كان السبب المباشر في كل ما جرى من أضرار بما فيها فقدان الاستقلال الوطني النسبي والإعلان دولياً عن احتلال العراق وتعيين حاكما أمريكيا ( بريمر ) عليه، تلك حقب من التاريخ المر والتي تحمل الكثير من المآسي الذي بقى فيها العراق يتأرجح ما بين الاستقلال واللاإستقلال ومحاط بكل ما يعني من الاضطهاد وانعدام الحريات العامة والخاصة.
لقد كانت فترة مجلس الحكم فترة ظهر فيها بشكل واضح الطابع الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية والبريطانية وتهرأت شعارات إنقاذ العراق من حكم صدام حسين وبانت المقاصد الخفية والحقيقية من الاحتلال نفسه كما ذكرنا حول إعلان مجلس الأمن وما جرى خلال سنوات ما بعد الاحتلال على الرغم من الإعلان عن انتهاء الحرب وخروج القوات الأمريكية وفق معاهدة بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية وكان أول بنود الانسحاب
" 1 - تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي العراقية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2011 ميلادي.
2- تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة من المدن والقرى العراقية في موعد لا يتعدى تاريخ تولي قوات الأمن العراقية كامل المسؤولية عن الأمن في أي محافظة عراقية، على أن يكتمل انسحاب قوات الولايات المتحدة من الأماكن المذكورة أعلاه في موعد لا يتعدى 30 يونيو/حزيران عام 2009 ميلادي" وهناك بنود أخرى أكثر تفصيلية!
فهل حدث ذلك بشكله الصحيح؟ أم بقت البعض من القوات الأمريكية ؟ ولماذا هذا التخبط في قرار الحكومات المتعاقبة والسكوت أو الاعتراضات الخجولة عن تدخلات أمريكا ثم تركيا وإيران وتهديد سافر للاستقلال والمحافظة على القرار الحكومي المستقل، التدخل الأمريكي مازال قائماً بدون حديث ومزايدات نوري المالكي ونضرب مثال
1- فيما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حوار مع قناة CBS الأمريكية " أنه لن يسحب قواته من العراق" واحد الأسباب إيران وتدخلاتها واستغلالها الأوضاع ثم قال أيضا ""أنفقنا أموالا طائلة على هذه القاعدة الرائعة، وقد نبقي عليها، كما أن أحد الأسباب التي تدفعني للإبقاء عليها، تسليط النظر على إيران قليلا، فهي تشكل خطرا حقيقيا". فهل نحتاج إلى الإسهاب عن استقلال العراق وقراره السياسي؟ والإجابة عند أصحاب الإجابة!!
2- التدخل الإيراني معروف ومكشوف من خلال تحركات الجنرال الإيراني سليماني ومن خلال تصريحات بعض أقطاب الحكومة ومسؤولي البعض من التنظيمات المسلحة المنظوية للحشد الشعبي، وتصريحات زعماء إيران الرسميين وكلها مسجلة ومعروفة.
3- التدخل التركي السافر وإنشاء قواعد عسكرية في أراضي الإقليم ولقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم الاثنين 28/ كانون الثاني /2019 " "يوجد نحو 20 من القواعد والمقرات العسكرية التركية موزعة على محافظتي أربيل ودهوك".ثم ذكرت " إن "عدد من القواعد العسكرية والمراكز الاستخباراتية التركية داخل الأراضي العراقية منها قواعد باطوفة وكاني ماسي وسنكي وقاعدة مجمع بيكوفا وقاعدة وادي زاخو، وقاعدة سيري العسكرية في شيلادزي وقواعد كويكي وقمريي برواري وكوخي سبي ودريي دواتيا وجيل سرزيري، وقاعدة في ناحية زلكان قرب جبل مقلوب في بعشيقة"
وذكرت الصحيفة الكثير من هذا الواقع المرير، ونقول إن الكم غير القليل من القواعد والمراكز الاستخباراتية انه عدد لا باس به في بلد تدعي حكومته وقواه السياسية المتنفذة وميليشياته بالاستقلال وبعضها يهدد ويعربد والبلاد ضاع استقلالها تحت نير الاحتلال المتعدد، فهل نفيض أكثر؟ وهل بقى شيء سري ومضموم ؟ أم ندع المواطنين الوطنيين المخلصين وضع النقاط على الحروف كما يقال!
هذا هو الواقع والحال فهل بقى من يريد أن يتستر على خراب الحكومات الطائفية التي تقود البلاد أو على نتائج ما بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي؟ وكيف جرى ثلم الاستقلال الوطني؟ ورهن البلاد وتقديمها هدية للقوى الخارجية والإقليمية؟ وما فعلته البعض من أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي ؟ وكيف يجري نهب الاقتصاد وتدمير الطاقات وجعل العراق في مؤخرة البلدان الفقيرة في العالم ، مع العلم إنه من البلدان الغنية المعروفة؟!